تضحيته ، فهو حليف القرآن منذ اُنشئ كيانه ؛ لأنّهما ثقلا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وخليفتاه على اُمّته ، وقد نصّ المُشرّع الأعظم صلىاللهعليهوآله بأنّهما لنْ يفترقا حتّى يردا عليه الحوض ؛ فبذلك كان سلام اللّه عليه غير مبارح تلاوته طول حياته ؛ في تهذيبه وإرشاده ، في دعوته وتبليغه ، في حلّه ومرتحله حتّى في موقفه يوم الطَّفِّ ـ ذلك المأزق الحرج بين ظهراني اُولئك الطغاة المُتجمهرين عليه ـ ليتمّ عليهم الحجّة ، ويوضّح لهم المحجّة.
هكذا كان يسير إلى غايته المُقدّسة سيراً حثيثاً ، حتّى طفق يتلو القرآنَ رأسُهُ الكريم فوق عامل السّنان ، عسى أنْ يحصل مَن يُكهربه نورُ الحقّ ، غير أنّ داعية الحقّ والرشاد لمْ يُصادف إلاّ قصراً في الإدراك ، وطبعاً في القلوب ، وصمماً في الآذان : (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) (١).
وبلغ من غلواء ابن زياد وتيهه في الضّلال أنْ أمر بالرأس الشريف فطيفَ به في شوارع الكوفة وسككها (٢).
يقول زيد بن أرقم : كنتُ في غرفة لي ، فمرّوا بالرأس على رمح ، فسمعته يقرأ : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) (٣). فوقف شعري ، وقلتُ : رأسك أعجب وأعجب (٤)!
ولمّا صُلب في سوق الصّيارفة ، وهناك ضوضاء ، فأراد عليهالسلام لفت
__________________
(١) سورة البقرة / ٧.
(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٣٤٨.
(٣) سورة الكهف / ٩.
(٤) الإرشاد للشيخ المفيد ٢ / ١١٧ ، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي / ٤٧٣ ، الدّر النّظيم / ٥٦١.