الأنظار نحوه ، تنحنح تنحنحاً عالياً ، فاتَّجه النّاس نحوه ، وأبهرهم الحال ، فشرع في قراءة سورة الكهف إلى قوله تعالى : (اِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (١) (٢).
وعجب الحاضرون ؛ إذ لم تعهد هذه الفصاحة والإتيان على مقتضى الحال من رأس مقطوعٍ ، وبقي النّاس واجمون لا يدرون ما يصنعون.
ولمّا صُلب على شجرة بالكوفة ، سُمع يقرأ قوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ) (٣).
قال هلال بن معاوية : سمعت رأس الحسين عليهالسلام يخاطب حامله ، ويقول : «فرّقتَ رأسِي وبَدني ، أفرقَ اللّهُ بينَ لحمِكَ وعظمِكَ ، وجعلكَ آيةً ونكالاً للعالمين». فرفع اللعينُ سوطاً وأخذ يضرب بين رأسه المُطهّر (٤).
وحدّث سلمة بن الكهيل : أنّه سمع رأس الحسين عليهالسلام بالكوفة يقرأ ، وهو مرفوع على الرمح : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٥) (٦).
كما سمعه ابن وكيدة يقرأ القرآن فشكّ أنّه صوته ؛ حيث لم يعهد مثله يتكلّم ، فإذا الإمام عليهالسلام يخاطبه : «يابنَ وكيدة ، أما علمتّ أنَّ معاشرَ الأئمّة أحياءٌ عند ربِّهم يُرزقون». فزاد تعجّبه وحدّث نفسه
__________________
(١) سورة الكهف / ١٣.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢١٨.
(٣) سورة الشعراء / ٢٢٧.
(٤) مدينة المعاجز للبحراني ٤ / ١٠٠.
(٥) سورة البقرة / ١٣٧.
(٦) نهاية الدراية للصدر / ٢١٧ ، الوافي بالوفيات للصفدي ١٥ / ٢٠١ ، نَفَس الرحمن في فضائل سلمان للطبرسي / ٣٦٢ ، شرح إحقاق الحقّ للمرعشي ٣٣ / ٦٩٤.