أنْ يسرق الرأس ويدفنُه ، فنهاه الإمام عليهالسلام وقال : «يابنَ وكيدة ، ليس إلى ذلك سبيلٌ ، إنّ سفكَهمْ دَمي أعظمُ عندَ اللّه مِن إشهارهم رأسي ، فذرهم : فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ» (١).
وفي طريقهم إلى الشام نزلوا عند صومعة راهب ، وفي الليل أشرف عليهم الراهب فرأى نوراً ساطعاً من الرأس الشريف ، وسمع تسبيحاً وتقديساً وتهليلاً ، وقائلاً يقول : السّلام عليك يا أبا عبد اللّه. فتعجّب الراهب ولم يعرف الحال ، حتّى إذا أصبح وأراد القوم الرحيل سألهم عن الرأس ، فأخبروه أنّه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، واُمّه فاطمة ، وجدّه محمّد المصطفى صلىاللهعليهوآله ، فطلب الرأسَ من خولي الأصبحي ، فأبى عليه ، فاسترضاه بمال كثير دفعه إليه ، وأخذ الراهب الرأس الشريف وقبّله وبكى ، وقال : تباً لكم أيَّتها الجماعة ، لقد صدقت الأخبار في قوله : إذا قُتل هذا الرجل تمطر السّماءُ دماً. ثُمّ أسلم ببركة الرأس الطاهر ، وبعد أنْ ارتحلوا نظروا إلى الدراهم فإذا هي خزف مكتوب عليها : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ) (٢).
وحدّث المنهال بن عمر قال : رأيت رأس الحسين عليهالسلام بدمشق أمام الرؤوس ورجل يقرأ سورة الكهف ، فلمّا بلغ : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً). وإذ الرأس يخاطبه بلسان فصيح : «وأعجبُ مِنْ أصحابِ الكهفِ قتلِي وحَمْلي» (٣).
__________________
(١) مدينة المعاجز للبحراني ٣ / ٤٦٢ ،
(٢) مدينة المعاجز ٤ / ١٠٤.
(٣) الخرائج والجرائح للراوندي ٢ / ٥٧٧ ، الصراط المستقيم للعاملي / ١٧٩ ،