وفي هذا الحال كُلّه لم ينقطع الدَّمُ من الرأس الشريف ، وكان طريّاً ، ويُشمّ منه رائحةٌ طيّبة (١).
وبالرغم من جدّ يزيد في محو آثار أهل البيت عليهمالسلام ، واحتقار حرم النّبّوة حتّى أنزلهم في الخربة التي لا تكنّهم من حرٍّ ولا برد (٢) ، واستعماله القسوة بالرأس المُقدّس ؛ من صلبه على باب الجامع الاُموي (٣) ، وفي البلد ثلاثة أيّام (٤) ، وعلى باب داره (٥).
لم يزل أهل الشام ـ ومَن حضر فيها من غيرهم ـ يُشاهدون كراماتٍ باهراتٍ من الرأس الزاهر لا تصدر إلا من نبيٍّ أو وصيِّ نبيٍّ ، فأحرجهم الموقف ؛ خصوصاً بعد ما وقفت العقيلة زينب الكبرى سلام اللّه عليها في ذلك المجلس المغمور بالتمويهات والأضاليل ، فأفادت النّاس بصيرة بنوايا ابن ميسون السيّئة ، وموقفه من الشريعة الطاهرة ، وأنّه لم يرد إلا استئصال آل الرسول صلىاللهعليهوآله ؛ حيث لم يُعهد في الإسلام مثل هذا الفعل الشنيع خصوصاً مع عيال النّبّي الكريم صلىاللهعليهوآله ، ذلك الذي ما زال يهتف في مواقفه الكريمة باحترام المرأة وعدم التعرّض لها بسوء ، وكان صلىاللهعليهوآله يُشدّد النّكير إذا بلغه في مغازيه قتل النّساء (٦).
حتّى إنّ جماعة من المسلمين لمّا استأذنوه لقتل ابن أبي
__________________
فيض القدير في شرح الجامع الصغير للمنّاوي ١ / ٢٦٥ ، سُبل الهدى والرَّشاد للصالحي الشامي ١١ / ٧٦.
(١) الخطط المقريزيّة ٤ / ٢٨٤.
(٢) الأمالي للشيخ الصدوق / ٢٣٢ ، روضة الواعظين / ١٩٢ ، إقبال الأعمال لابن طاووس ٣ / ١٠١ ، الأنوار النّعمانيّة ٣ / ٢٤٦.
(٣) الأمالي للشيخ الصدوق / ٢٣٠ ، روضة الواعظين / ١٩١.
(٤) الخطط المقريزيّة ٢ / ١٢٩.
(٥) العوالم / ٤٤٣.
(٦) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٢٥٦ ، صحيح مسلم ٤ / ٢١ و ٥ / ١٤٤ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٤٧ ، وغيرها من المصادر.