سورة يوسف عليه السلام
تقدمة لتفسير سورة يوسف
رأينا أن نقدّم لك أيها القارئ صورة موجزة تبين لك حال هذا النبي الكريم والعبرة من ذكر قصته فى القرآن العظيم ، لتكون ذكرى للذاكرين ، وسلوة للقارئين والسامعين.
يوسف الصديق : مثل كامل فى عفّته
يوسف عليه السلام آية خالدة على وجه الدهر ، تتلى فى صحائف الكون بكرة وعشيا ، تفسّر طيب نجاره وطهارة إزاره ، وعفته فى شبابه ، وقوّته فى دينه ، وإيثاره لآخرته على دنياه ، وأفضل هداية تمثل للنساء والرجال المثل العليا فى العفة والصيانة التي لا تتم لأحد من البشر إلا بصدق الإيمان بالله ومراقبته له فى السر والعلن.
وسورته منقبة عظمى له ، وآية بينة فى إثبات عصمته ، وأفضل مثل عملى يقتدى به النساء فالرجال ، فبتلاوتها يشعر القارئ بما للشهوة الخسيسة على النفس من سلطان ويسمع بأذنه تغلب الفضيلة فى المؤمن على كل رذيلة ، بقوة الإرادة ووازع الشرف والعصمة ؛ ففيها أحسن الأسوة للمؤمنين من الرجال والنساء ، فيها قصة شاب كان من أجمل الناس صورة ، وأكملهم بنية ، يخلو بامرأة ذات منصب وسلطان وهى سيدة له وهو عبدها ، يحملها الافتتان بجماله على أن تذلّ نفسها له ، وتخون بعلها فتراوده عن نفسه (وقد جرت العادة حتى فى الطبقات الدنيا منزلة وتربية أن يكون النساء مطلوبات لا طالبات) فيسمعها من حكمته ، ويريها من كماله وعفته ما هو أفضل درس فى الإيمان بالله والاعتصام بحبله المتين ، وفى حفظه أمانة سيده الذي أحسن مثواه فيقول : «إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» فتشعر حينئذ بالذل والمهانة ، والتفريط فى الشرف والصيانة ، وتحقير مقام السيادة والكرامة.
إلا أن فيها أعظم دليل على صبره وحلمه وأمانته وعدله ، وحكمته وعلمه ، وعفوه وإحسانه ، فكفى شاهدا على صبره أن إخوته حسدوه فألقوه فى غيابة الجب وأخرجته