أتصرّف فيها بغير وسائل الأسباب المسحرة لسائر الناس ، فأنفق على نفسى وعلى من تبعني بالتصرف فيها بخوارق العادات ، بل أنا وغيرى فى الكسب سواء ، إذ ذلك ليس من موضوع الرسالة ولا من خصائص النبي ، ولو كان كذلك لا تبع الناس الرسل لأجلها. بل الغاية من بعث الرسل تزكية الأنفس بمعرفة الله وعبادته ، وتأهيلها لمثوبته فى دار كرامته ، ورضاه عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون.
(وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) فلا أمتاز عن سائر البشر بعلم ما لا يصل إليه علمهم الكسبي من مصالحهم ومنافعهم ومضارهم فى معايشهم وكسبهم ، فأخبر بها أتباعى ليفضلوا عليكم ، ومن ثم أمر الله نبيه أن يقول لقومه : «قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ» (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) من الملائكة أرسلت إليكم فأكون كاذبا فيما أدعى ، بل أنا بشر مثلكم أمرت بدعائكم إلى الله وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم.
وفى هذا دحض لشبهتهم ، إذ زعموا أن الرسول من الله إلى البشر يجب أن يفضلهم ويمتاز عنهم ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يكون ملكا يعلم ما لا يعلمه البشر ، ويقدر على ما لا يقدر عليه البشر.
(وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) أي ولا أقول للذين اتبعونى وآمنوا بالله وحده ، وأنتم تنظرون إليهم نظرة استصغار واحتقار فتزدريهم أعينكم لفقرهم ورثاثة حالهم : لن يؤتيهم الله خيرا وهو ما وعدوه على الأيمان والهدى من سعادة الدنيا والآخرة.
(اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) أي الله أعلم بما فى صدورهم وبما آتاهم من الإيمان على بصيرة ، ومن اتباع رسوله بإخلاص وصدق سريرة ، لا كما زعمتم من اتباعهم إياى بادى الرأى بلا بصيرة ولا علم.
(إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي إنى إذا قضيت على سرائرهم بخلاف ما أبدته لى ألسنتهم على غير علم منى بما فى نفوسهم أكون ظالما لهم بهضم حقوقهم.