وسلم بقوله لمعاذ بن جبل حين ولاه القضاء فى اليمين «بم تقضى؟ قال بكتاب الله. قال فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسوله. قال فإن لم تجد؟ قال أجتهد رأيى ـ فأقرّه على ذلك».
وهذا هو الاستقامة فى الدين التي بها فى يرقى المرء إلى أعلى عليين ، وقد حثّ الله رسوله عليها فى هذه الآية وحث موسى وهارون عليها فقال : «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما».
ومدح من اتصفوا بها ووعدهم بالخير والفلاح فى الآخرة فقال : «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ».
وروى مسلم عن سفيان الثقفي قال : «قلت يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال : (قل آمنت بالله ثم استقم)».
(إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي إنه تعالى بصير بعملكم ومحيط به فيجزيكم به ، فاتقوه أن يطلع عليكم وأنتم عاملون بخلاف أمره.
ونظير هذه الآية قوله «فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ، لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ ، اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) الركون إلى الشيء : الاعتماد عليه ، وركن الشيء : جانبه الأقوى ، وما تتقوى به من ملك وجند وغيره ومنه قوله تعالى «فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ» والمراد من الظالمين هنا أعداء المؤمنين الذين يؤذونهم ويفتنونهم عن دينهم من المشركين ليردّوهم عنه ، فهم بمعنى الذين كفروا فى الآيات الكثيرة ، وتمسكم النار ، أي تصيبكم ، أي لا تستندوا إلى الذين ظلموا من قومكم المشركين ولا من غيرهم فتجعوهم ركنا لكم