وإيضاح هذا ـ إن تحكيم العقل البشرى فى الخوض فى ذات الله وصفاته وفيما دون ذلك من عالم الغيب كالملائكة والعرش والجنة والنار ـ تجاوز لحدوده ، فإن اكبر العلماء والفلاسفة عقولا عجزوا إلى اليوم عن معرفة كنه أنفسهم وأنفس ما دونهم من المخلوقات صغيرها وكبيرها حتى الحشرات منها كالنحل والنمل ، فأنىّ لهم أن يعرفوا كنه ذات الله وصفاته أو معرفة حقيقة ملائكته وغيرهم من جند الله؟.
ولما خرج متأخر والأمة عن هدى سلفهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان زاغوا فكانوا : «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» فسقط بعضهم فى خيال التشبيه ، وبعضهم فى خيال التعطيل.
ولو كانوا قد نهجوا نهج السابقين لتجنبوا أسباب الخلاف والتفرق فى الدين الذي أوعد الله أهله بالعذاب العظيم وبرأ رسوله منهم.
والواجب التزام كتاب الله وما فسرته به سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من العبادات العملية بدون تحكم بالرأى والقياس ، والمعاملات على النحو الذي بينه الكتاب والسنة على السنن القويم دون تأويل ولا تخريج لهما على غير ما يفهم من ظاهرهما.
أما الاختلاف فيما عدا ذلك من أمور القضاء والسياسة وأمور المعاش من زراعات وتجارات فهو أمر طبيعى لا يمكن الغنى عنه ، فلولاه لما تقدمت شئون الحياة ، ولما حصل التنافس لدى أرباب المهن والصناعات ، ولما جدّ كل يوم بدع جديد (موضه) ولكان الناس دائما على الفطرة الأولى ، وأنّي لعقل الإنسان أن يسمتر على حال واحدة وقد أوتى الخلافة فى الأرض وحسن استعمارها ، وبهذا وحده فضل الملائكة ولله فى خلقه شئون.
وقد بين سبحانه لنا المخرج إذا حدث بيننا الخلاف فى الدين فقال : «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ» الآية وقد فسر ذلك النبي صلى الله عليه