وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال : أفرس الناس ثلاثة : عزيز مصر حين قال لامرأته (أَكْرِمِي مَثْواهُ) والمرأة التي قالت لأبيها (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) الآية وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنهما.
ثم بين علة إكرامه برجائه فيه وعظيم أمله فى جليل مساعدته فقال : (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أي علّه أن ينفعنا فى أمورنا الخاصة إذا تدرّب فيها وعرف مواردها ومصادرها أو شئون الدولة العامة لما يلوح عليه من مخايل الذكاء والنجابة ، أو نتبناه ونقيمه مقام الولد فيكون قرة عين لنا ووارثا لما لنا ومجدنا ، إذا تم رشده ونضج عقله. وفى الآية إيماء إلى شيئين.
(١) إن العزيز كان عقيما.
(٢) إنه كان صادق الفراسة ثاقب الفكر ، فقد استدل من كمال خلقه وخلقه على أن حسن عشرته وكرم وفادته وشرف تربيته مما يكمل استعداده الفطري ، فالتجارب دلت على أنه لا يفسد الأخلاق شىء أكثر مما تفسدها البيئة الفاسدة وسوء القدوة (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أي وعلى ذلك النحو من التدبير جعلنا ليوسف مكانة عالية فى أرض مصر كان مبدؤها عطف العزيز عليه ورجاءه فيه ، فوقع له فى بيته ثم فى السجن من الأحداث ما كان سببا فى اتصاله بساقى الملك ثم بالملك نفسه.
(وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي ولنعلمه بعض تعبير الرؤيا ، ومعرفة حقائق الأمور ، مما ينتهى إلى غاية التمكين لدى الملك ، حتى ليقول له : «اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» ويقول له الملك «إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ» (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي والله غالب على كل أمر يريده ، فلا يغلب على شىء منه ، بل يقع كما أراد «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فما حدث من إخوة يوسف له وما فعله مسترقّوه وبائعوه وما وصّى به الذي اشتراه امرأته من إكرام مثواه ، وما وقع له مع هذه المرأة من الأحداث ومن دخوله السجن ـ قد كان من الأسباب التي أراد الله تعالى له بها التمكين