روى عن زيد بن أسلم من مفسرى السلف : أعطتهن أترنجا (ثمر من نوع الليمون الحامض كبير مستطيل يؤكل بعد إزالة قشرته) وعسلا فكن يحززن بالسكين ويأكلنه بالعسل ، فلما قيل له : اخرج عليهن خرج ، فلما رأينه أعظمنه وتهيمّن به حتى جعلن يحززن أيديهن بالسكين وفيها الترنج ولا يعقلن ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الأترنج ، قد ذهبت عقولهن مما رأين وقلن حاش لله ما هذا بشرا ، أي ما هكذا يكون البشر ، ما هذا إلا ملك كريم.
(قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي حينئذ قالت لهن : إذا كان الأمر ما رأيتنّ بأعينكن ، وما أكبرتن فى أنفسكن ، وما فعلتن بأيديكن ، وما قلتن بألسنتكن ، فذلكن هو الذي لمتنّنى فيه ، وأسرفتن فى لومى وتعنيفى ، وقلتن فيما قلتن ، فما يوسف بالعبد العبراني ، أو المملوك الكنعانى ، ولا بالخادم الصعلوك الذي شغف مولاته حبا وغراما ، وراودته عن نفسه ضلالا منها وهياما ، بل هو ملك تجلّى فى صورة إنسان ، فماذا أنتن قائلات فى أمرى ، وهو المالك لسمعى وبصرى ، وإنى لأراه بشرا سويا ، إنسيا لا جنيا ، وجسدا لا ملكا روحانيا ، فأتصبّاه بكل ما أملك من كلام عذب ، فلا بصبو إلىّ ، ولا يظهر نحوى عطفا ، ولا يرفع إلىّ طرفا.
(وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) أي ولقد راودته عن نفسه فامتنع عما أرادته منه ، واستمسك بعروة العصمة التي ورثها عمن نشئوا عليها ، ولا عجب فإنّ نظره إلى الله لم يدع فى قلبه البشرى مكانا خاليا لنظرات هذه العاشقة التي شغفها حبا.
(وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبلا كما لم يفعله ماضيا : ليسجنن وليكونن من الأذلة المقهورين ، فإن زوجى لا يخالف لى رغبة ، ولا يعصينى فى أمر ؛ وسيعاقبه بما أريد ، ويلقيه فى غيابات السجون ، ويجعله كغيره من العبيد بعد إكرام مثواه وجعله كولده.
وفى ذلك إيماء إلى أنها ستشدد العقوبة عليه أكثر مما توعدت به أوّلا ، فهناك أنذرته بسجن قد يكون على أخف صورة وأقلها ، وعذاب بأهون أنواعه وألطفها كحبس