أي وناداه حين الركوب فى السفينة ، وقبل أن تجرى بهم ، وكان فى مكان منعزل بعيد عن أبيه وإخوته ومن آمن من قومه ، يا بنى اركب معنا الفلك ولا تكن مع الكافرين الذين قضى عليهم بالهلاك.
فردّ ابنه عليه :
(قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) أي قال سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء فيحفظنى من الغرق :
فأجابه نوح مبيّنا له خطأه :
(قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ، وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) أي قال نوح لابنه لا شىء يعصم أحدا فى هذا اليوم العصيب من عذاب الله الذي قضاه على الكافرين ، فليس الأمر أمر ماء يتّقى بالأسباب العادية ، وإنما هو انتقام من أشرار العباد الذين أشركوا بالله وظلموا أنفسهم وظلموا الناس بطغيانهم فى البلاد ، لكنه يحفظ من رحم ويعصمه ، وقد اختص بهذه الرحمة من حملهم فى السفينة ، وكان الماء قد بدأ يرتفع أثناء الحديث حتى حال بين الولد ووالده فكان من المغرقين الهالكين.
وقد وصف سبحانه هذا الطوفان فى سورة القمر قال : «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ، فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ، فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ، وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ، وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ».
وإنه لمنظر تشيب من هوله الولدان ، ماء ينهمر من السماء انهمارا ، وأرض تتفجر فتفيض ماء ثجاجا يصير بحرا متلاطم الأمواج ، تغطت من تحته الأرض بجبالها ووديانها ،