فلكل منهم مقصد خاص فى يوسف ، فالسيارة يدّعون بالباطل أنه عبد لهم فيتجرون به ، وإخوة يوسف يريدون إخفاءه عن أبيه ويدّعون أن الذئب قد أكله ، وذلك كيد بالباطل ، ليمضى فيه وفيهم حكمه السابق فى علمه ، وليرى إخوة يوسف ويوسف وأبوه قدرته تعالى على تنفيذ ما أراد.
وفى هذا تذكير من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتسلية له على كان يلقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى فكأنه يقول له : اصبر على ما نالك فى الله ، فإنى قادر على تغيير ذلك ، كما قدرت على تغيير ما لقى يوسف من إخوته ، وسيصير أمرك إلى العلوّ عليهم كما صار أمر يوسف مع إخوته إذ صار سيدهم.
(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) أي وباعه السيارة فى مصر بثمن قليل ناقص عن ثمن مثله من الدراهم القليلة التي تعد عدّا ولا توزن وزنا ، وكانوا لا يزنون إلا ما بلغ الأوقية (أربعين درهما) فما فوقها ويعدون ما دونها ، ومن ثم يعبرون عن القليل بالمعدود ، وفى سفر التكوين من التوراة أن إخوته قرروا بيعه للاسماعيلين أي للعرب ، وقد أخرجه من الجب جماعة من أهل مدين وباعوه لهم ، وكان الذين باعوه من الراغبين عنه الذين يبغون الخلاص منه ، لئلا يظهر من يطالبهم به لأنه حر ، والثمن لم يكن مقصودا لهم حين بيعه ومن ثم قنعوا بالبخس منه.
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))