إلى بحث طويل وعناء شديد. وعلم غزير فى طبقات الأرض وما تحتوى عليه ، وذلك يتوقف على علوم شتى عقلية ونقلية ، ومن هذى برأيه بدون علم يقينىّ فهو مجازف لا يسمع له قول ، ولا يسمح له ببثّ جهالاته ، والله ورسوله أعلم اه بتصرف.
وخلاصة هذا ـ إن ظواهر القرآن والأحاديث تدل على أن الطوفان كان عامّا شاملا لقوم نوح الذين لم يكن فى الأرض غيرهم فيجب اعتقاده ، ولكنه لا يقتضى أن يكون عاما للأرض ، إذ لا دليل على أنهم كانوا يملئون الأرض ، وكذلك وجود الأصداف والحيوانات البحرية فى قنن الجبال لا يدل على أنها من أثر ذلك الطوفان ، بل الأقرب أنه كان من أثر تكوّن الجبال وغيرها من اليابسة فى الماء ، فإن صعود الماء إلى الجبال أياما معدودة لا يكفى لحدوث ما ذكر فيها.
ولما كانت هذه المسألة التاريخية ليست من مقاصد الدين لم يبينها بنص قطعى ، ومن ثم نقول إنه ظاهر النصوص ولا نتخذه عقيدة دينية قطعية ، فإن أثبت علم طبقات الأرض (الجيلوجيا) خلافه فلا يضيرنا ، لأنه لا ينقض نصّا قطعيا عندنا.
حادثة الطوفان
فى القرآن والتوراة والتاريخ القديم
ذكرنا فيما سلف أن أحداث التاريخ وضبط وقائعه وأزمنتها وأمكنتها ليس من مقاصد القرآن ، وأن ما فيه من قصص الرسل مع أقوامهم فإنما هو بيان لسنة الله فيهم.
وذكرنا أيضا أن قصة نوح عليه السلام جاءت فى عدة سور فى كل سورة منها ما ليس فى سائرها ، ولم يذكر من حادثة الطوفان إلا ما فيه العبرة والموعظة.
وجاءت هذه القصة فى سفر التكوين فى أربعة فصول ذكر فى أولها سبب الطوفان وهو فى جملته على نحو ما جاء فى القرآن الكريم إلا أن الأسلوب على نحو أساليب التوراة ، وذكر فى الرابع منها رجوع المياه من الأرض بالتدريج واستقرار الفلك على جبل أراراط ثم خروج نوح ومن معه من السفينة.