ولعلّ رواية الكليني إيّاها وموافقة غيره له ودعوى الإجماع الذي اشير إليه يجبرها ، لكن للمناقشة سندا ودلالة بعد مجال ، والاحتياط واضح.
ومثل دود الحش وصراصره وغيرهما ممّا يكون من النجس ، فإنّ المحقّق تردّد فيها لذلك ، ولما دلّ على طهارة ما مات فيه حيوان لا نفس له من غير الفصل ، ولأنّ المعلوم هو تولّدها في النجاسة لا من النجاسة ، فلا يحكم بنجاستها ، وإن لاقت النجاسة إذا خلت من عينها (١) ، انتهى.
ولا يخفى أنّ أصالة الطهارة لا يصادمها (٢) ما ذكره ، سيّما مع معاضدتها لما ذكرناه ، لأنّ تولّد الحيوان من نجس العين لا دليل على نجاسته سوى توهّم الاستصحاب.
وفيه ، أنّ الاستصحاب شرطه بقاء موضوع الحكم على حاله ، وإن وقع بالنسبة إليه تغيّر ما ، فإذا انعدم ماهيّته وانقلبت بغيره ـ كأن يصير الكلب ملحا ، والعذرة دودا ، والميتة ترابا أو دودا ، ودم الإنسان دم البق ، وأمثاله إلى غير ذلك ، مثل استحالة النجاسات في الحياض إلى الماء المطلق ، وغيرها ممّا لا يحصى ، وكذلك الخمر خلّا ، إلى غير ذلك ـ يتغيّر الحكم البتّة ، ويكون الأصل الطهارة.
ولذا جعلوا من المطهّرات الاستحالة والانقلاب كليّا ، لأنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للأسامي والحقائق ، إذ الملح لا يصدق عليه أنّه كلب بوجه من الوجوه.
وقس على ذلك حال البواقي ، ومثل الجنين فإنّه إذا تمّ خلقته وذكّيت امه بذكاة شرعيّة ، يكون حلالا طاهرا ، إنّ ذكاته ذكاة امّه ، وإلّا يكون نجسا ، إذا حلّ
__________________
(١) المعتبر : ١ / ١٠٢.
(٢) في (ف) و (ز ١) و (ط) : يقاومها.