فلعلّ صحّة الكلّ ثبت من الإجماع ، وطريقة الأئمّة عليهمالسلام وشيعتهم ، على النحو الذي ذكر.
ويمكن أن يكون أمثال هذه التصرّفات من قبيل الاستظلال بحائطهم ، والاستضاءة من سراجهم ، وأمثال ذلك ممّا عدّوه غير غصب ، وحكموا بعدم توقّفه على إذنهم ، ومثل الشرب من أنهارهم ، وسقي دوابّهم منها ، وأخذ شيء منها ، في أدواتهم وظروفهم للطريق والطبخ وغير ذلك.
وما ظهر من المرتضى ، والقاضي أبي الفتح ، وغيرهما ، من أنّ المنشأ هو الإذن الحاصل بشاهد الحال والفحوى (١) ، لا يخلو من الإشكال الظاهر ، لتوقّفه على العلم بكونه ملك من اعتبر إذنه ، ومن ليس بمحجور ، كالطفل والمجنون والسفيه.
مع أنّ العوام ربّما لا يتفطّنون إلى أمثال هذه الامور ، حتّى يرضون ويجوّزون ، مع أنّ المخالف والناصبي ، بل اليهودي والنصراني والمجوسي غير ظاهر رضاهم بما ذكر من التصرّفات ، سيّما الصلاة.
والظاهر أنّ ما ذكرناه من صحّة الصلاة وغيرها ممّا ذكر لا تأمّل لأحد من الفقهاء فيه ، وإن وقع النزاع في صحّتها في الملك الغصبي ، أي الذي غصبه غاصب عن صاحبه ، فمنع بعضهم عن الصلاة فيها ، للإجماع المذكور وغيره.
وفيه أنّ الغصب هو التصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، ولا إذن الشرع ، وإن لم يغصبه غاصب ، ولهذا اشترطوا ملكيّة المكان وكونه مأذونا فيه من المالك أو الشارع ، ومن هذا حكم المرتضى ومن وافقه بصحّة الصلاة في الصحراء المغصوبة أيضا (٢) ، استصحابا للإذن الحاصل قبل الغصب ، والحلّيّة الحاصلة مقدّمة عليه.
__________________
(١) نقل عنهما في الحدائق الناضرة : ٧ / ١٧١.
(٢) مرّ آنفا.