ومع ذلك تعارضها ما ورد في خصوص الاستنجاء ما هو أكثر عددا وصحيحته أكثر ومفتى به بين الأصحاب ، مضافا إلى ما ظهر من تحقّق الوهم في كثير ممّا ذكر ، ومع ذلك ظهر من صحيحة زرارة (١) كون الاستنجاء بالماء.
وربّما يظهر من الأخبار أنّهم في ذلك الزمان كانوا يتغوّطون ويستنجون بالأحجار ونحوها إلى وقت الوضوء للصلاة ، فكانوا يستنجون بالماء ذلك الوقت ، فلعلّ المراد خصوص هذا الاستنجاء وإن بعد جمعا بين الأخبار ، فتأمّل!
مع أنّ هذه الأخبار لا تعارض الأخبار الدالّة على الإعادة مطلقا والإجماع المنقول ، فضلا أن يغلب عليها ، لعدم التقاوم بين هذه الأخبار وبينها ، لكثرتها عددا غاية الكثرة ، ولكون سند أكثرها صحاحا ، وباقيها معتبرا ، ولاعتضادها بالشهرة بين الأصحاب والإجماع (٢).
ولأنّها عمل بمضمونها مثل المرتضى وابن إدريس (٣) ، وهما ممّن لا يعملان باخبار الآحاد إلّا إذا كانت محفوفة بالقرينة القطعيّة ، فيعلم أنّها كانت عندهما محفوفة بالقرينة.
فمع جميع هذا ؛ كيف يجوز ترك العمل بها والعمل بخلافها؟ مع أنّها لو كانت ضعيفة لا تقاوم أيضا ، لكونها منجبرة بعمل الأصحاب.
وحقّق أنّ الضعيف المنجبر أقوى من الصحيح من حيث هو ، فما ظنّك بها (٤) إذا كان صحيحا ، بل وصحاحا ومعتبرة؟
__________________
(١) راجع! الصفحة : ١٧٦ من هذا الكتاب.
(٢) في (ز ٣) زيادة : فإنّ ابن إدريس صرّح بعدم الخلاف إلّا من الشيخ في «الاستبصار» ، وصرّح أيضا بأنّه في جميع كتبه ـ سوى كتابه المبارك ـ وافق الأصحاب ، [السرائر : ١ / ١٨٣].
(٣) نقل عن المرتضى في المعتبر : ١ / ٤٤١ ، السرائر : ١ / ١٨٣.
(٤) في (ز ٣) زيادة : مع أنّه ورد الأمر بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب ، ولا شكّ في أنّ المقام منه فيشمله الأمر.