بالتوجّه إلى ما يصدق أنّه جهة المسجد عرفا ، كقوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (١) ، وقولهم عليهمالسلام : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (٢) ، و «ضع الجدي خلف قفاك وصلّ» (٣) ، وخلوّ الأخبار ممّا زاد على ذلك ، مع شدّة الحاجة إلى معرفة العلامات ـ لو كانت واجبة ـ وإحالتها إلى علم الهيئة مستبعد جدّا ، لأنّه دقيق كثير المقدّمات ، والتكليف به لعامّة الناس بعيد من قوانين الشرع ، وتقليد أهله غير جائز ، لأنّه لا يعلم إسلامهم ، فضلا عن عدالتهم. وبالجملة ؛ التكليف بذلك ممّا علم انتفاؤه ضرورة (٤) ، انتهى.
إذ موضوعات العبادات ليست موقوفة على النصّ ، سوى هيئة العبادة ، ولذا يرجع هو كغيره إلى قول اللغوي والنحوي والصرفي ، وقول أهل الخبرة في القيمة والأرض ونحوها ، مثل قول الطبيب في ضرر الوضوء والغسل والصوم نحوها ، وعدم ضررها إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.
مع أنّ أهل اللغة كفّار بالكفر الإيماني ، وكذا الحال بالنسبة إلى أمثالهم من العارفين بالنحو والصرف والطبّ وغير ذلك ، بل ربّما كانوا كافرين بالكفر الإسلامي.
وعرفت في المقام أنّ التحرّي يجزي بأيّ نحو يحقّق نصّا واعتبارا ، ولذا صرّح هو ومن وافقوه بجواز التعويل على قول الكافر الواحد في معرفة القبلة ، لكونه نوعا من التحرّي (٥).
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٥٠.
(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣١٤ الحديث ٥٢٤٦ و ٥٢٤٧.
(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤٥ الحديث ١٤٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٠٦ الحديث ٥٢٢٣ مع اختلاف يسير.
(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ١٢١ ، ذخيرة المعاد : ٢١٤.
(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ١٣٣.