وربّما ظهر من قولهم : ـ فإن جهلها عوّل على الأمارات المفيدة للظن ـ عدم جواز التعويل عليه للمتمكّن من العلم ، إلّا إذا أفادت اليقين ، وهو كذلك ، لأنّ الاستقبال على اليقين ممكن ، فيسقط اعتبار الظن (١) ، انتهى.
وفي «الذخيرة» وافقه (٢) ، وهذا منهما اعتراف بما ذكرنا ، في بيان الحاجة إلى الهيئة من أنّ المتمكّن من العلم ، لا يجوز له العمل بالظن.
فكيف أنكر الاحتياج إلى الهيئة مطلقا؟ مع ما عرفت من حصول العلم بالجهة عندهم واقعا ، وظهور ذلك على من له أدنى معرفة وتفطن ، مع أنّهما في المقام قالا بعدم جواز الاجتهاد في الجهة ، كما قال المصنّف ، وعلّلا بما علّل به المصنّف من أنّ الخطأ فيها مع استمرار الخلق واتّفاقهم ممتنع.
والمصنّف وإن ادعى البعد ، إلّا أنّهما وافقا «الذكرى» في دعوى الامتناع (٣).
وغير خفي أنّ عادة المسلمين ، وطريقتهم التعويل على الهيئة في البلاد البعيدة ، الخالية عن محراب المعصوم عليهالسلام ، وغيره من موجبات العلم عندهما.
بل لا تأمّل لفقهائنا وفقهاء العامّة ، في التعويل على الهيئة ، وكون البناء عليه ، بل وتقديمه على غيره ، على ما هو المشهور منهم ، كما اعترفا به ، وهو ظاهر أيضا ، فاتّفاقهم على الهيئة عادتهم المستمرة ، واتّفاقهم على الخطأ ممتنع عندهما.
وأمّا ما علّل المصنّف من كون اتّفاقهم عليه بعيدا ، فلا مانع من الاجتهاد ، لكون مراتب البعد متفاوتة ، إلّا أن يكون مراده أشدّ مراتب البعد ومنتهاها.
وكيف كان ؛ عدم تجويز الاجتهاد بخلافها ، إنّما هو إذا حصل العلم بالامتناع المذكور الناشئ عن كون الهيئة مورثا للعلم بها جزما.
__________________
(١) مدارك الأحكام : ٣ / ١٣٣ و ١٣٤.
(٢) ذخيرة المعاد : ٢١٨.
(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٦٨.