والمصنّف مع اعترافه بكون الهيئة مورثا للعلم بها ادّعى البعد المذكور ، ولعلّه لتجويز كون عمل المسلمين بغير الهيئة ، أو أنّهم أخطئوا في الهيئة ، إلّا أنّه مستبعد جدّا.
والحاصل ؛ أنّ بعد حصول العلم لا معنى للاجتهاد ، وكذا الظن المتاخم له الذي لا يكون رجحان أقوى منه.
لكن هذا لا يمنع من الاجتهاد من أوّل الأمر ، بل لا يجوز الاكتفاء به ، إذ لعلّه بعد الاجتهاد يحصل اليقين ، أو أقوى من الأوّل ، وإن كان في ظنّه ونظره أنّه أقوى.
نعم ؛ بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع ، إن حصل أقوى منه في جهة اخرى فهو المتّبع ، كما إذا حصل العلم ، وإلّا فإن ساوى الأوّل فهو مخيّر ، وإلّا تعيّن الأوّل ، كما أنّ ذلك الاتّفاق ربّما يورث العلم ، كما هو الحال عندهما وعند «الذكرى» (١).
وربّما لا يورث ، كما هو الحال عند المصنّف ، فربّما لا يورث الظن الأقوى لشخص آخر ، فلا مانع من العمل باجتهاده ، إذا اتّفق كونه أقوى عنده ، إلّا أن يقال : إنّ مثل هذا الشخص غير قابل للاجتهاد قاصر عنه ، لكون ذهنه مؤوفا ، لجمود القريحة ، أو مركوز به الشبهة وعدم التخلية.
والظاهر أنّه كذلك ، فاستقام ما اتّفقوا عليه ، من عدم تجويز الاجتهاد في الجهة.
ثمّ اعلم! أنّ ما ذكر ، إنّما هو بالنسبة إلى البلاد العظيمة والمتوسّطة ونحوهما.
وأمّا القرية الصغيرة النائية عن البلاد ونحوها ؛ فغير معلوم حصول العلم ، إلّا أن يكون هناك قرائن مفيدة له ، وأمّا الخالية عنها فلا ، والله يعلم.
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٦٨.