صورة اتّفاق الموافقة (١) ، فتدبّر!
وبالجملة ، قد حقّق في الوضوء أنّ الإطاعة العرفيّة لا تتحقّق في مطلوب من العبادات إلّا بعد معرفة المطلوبيّة ، وكون المطلوب ما ذا على سبيل التعيين أو التردّد بين أمرين أو امور ، مثل أنّه يعلم اشتغال ذمّته بقضاء فريضة واحدة. ولا يعلم كونها الظهر أو غيرها من الخمس ، ومع ذلك لا بدّ من قصد ذلك المطلوب حين الفعل ، وأنّ إتيانه ليس إلّا من جهة أنّه تعالى طلب منه ، ويسمّونه بقصد الامتثال الذي يعبرون عنه بقصد القربة غالبا ، فإن كان ذلك المطلوب شخصا معيّنا عند المكلّف لا يقبل غيره ، وقصده حين الفعل فهو قصد تعيينه جزما.
ويجب هذا القصد لتحقّق إطاعته ، كما يجب قصد التعيين في غير المتعيّن.
وكذا قصد القربة ، فإنّ المطيع الممتثل يقصدهما جزما ، لأنّ الإطاعة لا تتحقّق إلّا بهما.
فأيّ فرق بين المتعيّن وغير المتعيّن ، بل وبين قصد القربة وقصد التعيّن في غير المتعيّن؟ إذ الأمر بقصد القربة وقصد التعيين في غير المتعيّن إنّما هو لأن يصير مطيعا ، إذ ربّما لا يطيع ، وهذا بعينه وارد في المتعيّن بلا تفاوت ، فإنّ المكلّف ربّما لا يطيع في المتعيّن أيضا ، وبعد البناء على الإطاعة يقصد ذلك المتعيّن ، كما أنّه يقصد تعيين غير المتعيّن ويقصد أيضا أنّ ما يفعل إنّما يفعل لأنّ الله تعالى يطلب منه ، وهو قصد الإطاعة ، فتدبّر.
والحاصل ؛ إن كان الفعل متعيّنا وقصده فهو قصد التعيين ، وإلّا ـ بأن جاز عند كونه واجبا ومستحبّا جميعا ، وأداء وقضاء كذلك ، أو ظهرا وعصرا كذلك ـ فلا بدّ من التعيين ، أمّا الوجوب والندب فكما قلنا في نافلة الفجر وفريضته ، وأمّا
__________________
(١) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٥٤.