(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أي كلما نادى مناد فى العسكر ، أو انفلتت دابة أو نشدت ضالة ـ ظنوا أن العدو قد فجأهم ، وأن أمرهم قد افتضح ، وأنهم هالكون لا محالة ، ولقد قالوا : يكاد المريب يقول خذونى ، ويكاد السارق يقول إذا رأى القيد : ضعوه فى يدى ، لما ألقى من الرعب فى قلوبهم ، فهم يخافون أن تهتك أستارهم ، وتكشف أسرارهم ، ويتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة.
ونحو الآية قوله تعالى : «أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ، فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ، فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ» وقد نظر المتنبي إلى الآية فى قوله :
وضاقت الأرض حتى ظن هاربهم |
|
إذا رأى غير شىء ظنه رجلا |
(هُمُ الْعَدُوُّ) الذي بلغ الغاية فى العداوة.
(فَاحْذَرْهُمْ) ولا تأمنهم على سر ، ولا تلتفت إلى ظاهرهم ، فقلوبهم متحرقة حسدا وبغضا ، وأعدى الأعداء العدو المداجى الذي يكاشرك (يبتسم لك) وتحت ضلوعه الداء الدوىّ ، والشر المستطير.
ثم زاد سبحانه فى ذمهم وتوبيخهم ، وعجّب من حالهم فقال :
(قاتَلَهُمُ اللهُ) أي لعنهم الله وطردهم من رحمته ، فما أفظع حالهم ، وما أشدهم غفلة عن مآلهم.
وهذا تعليم منه لعباده المؤمنين أن يلعنوهم ، فكأنه قال : قولوا قاتلهم الله.
(أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل ، وقد كان لهم مدّكر فيما حولهم ، وفيما أمامهم من صدق الداعي بما أتى به من البينات الدالة على أنه مرسل من ربه.
وإن تعجب من شىء فاعجب من جهالتهم وظنهم الفاسد أنهم على الحق ، فما أعظمها محنة ، وأعجب بها نقمة ، جازاهم الله بها على سوء أعمالهم ، وقبح فعالهم