ليجعلهم طاهرين من خبائث العقائد والأعمال ، ويعلمهم الشرائع والأمور العقلية التي تكمل النفوس وتهذبها ، وإلى ذلك أشار البوصيرى بقوله :
كفاك بالعلم فى الأمىّ معجزة |
|
فى الجاهلية والتأديب فى اليتم |
وتخصيص الأميين بالذكر لا يدل على أنه لم يرسل إلى غيرهم فقد جاء العموم فى آيات أخرى كقوله : «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» وقوله : «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» وقوله : «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ».
ومن حكمته تعالى أنه أرسله عربيا مثلهم ، ليفهموا ما أرسل به ويعرفوا صفاته وأخلاقه ، ليسهل اقتناعهم بدعوته.
وخلاصة ما سلف : أنه ذكر الغرض من بعثة هذا الرسول ، وأجملها فى أمور :
(١) أنه يتلو عليهم آيات القرآن التي فيها هدايتهم وإرشادهم لخير الدارين ، مع كونه أميا لا يكتب ولا يقرأ ، لئلا يكون هناك مطعن فى نبوته ، بأن يقولوا إنه نقله من كتب الأولين كما أشار إلى ذلك بقوله : «وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ».
(٢) أنه يطهرهم من أدناس الشرك وأخلاق الجاهلية ، ويجعلهم منيبين إلى الله مخبتين إليه فى أعمالهم وأقوالهم ، لا يخضعون لسلطة مخلوق غيره ، من ملك أو بشر أو حجر.
(٣) أنه يعلمهم الكتاب والحكمة : أي يعلمهم الشرائع والأحكام وحكمتها وأسرارها ، فلا يتلقون عنه شيئا إلا وهم يعلمون الغاية منه ، والغرض الذي يفعله لأجله ، فيقبلون إليه بشوق واطمئنان ، وقد تقدم مثل هذا فى سورة آل عمران.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ذاك أن العرب قديما كانوا على دين إبراهيم ، فبدلوا وغيروا واستبدلوا بالتوحيد شركا ، وباليقين شكا ، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله ، فكان من الحكمة أن يبعث سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم