بالمحسوس ، إذ لا تقبله إلا على نحو المحسوسات. فحيلة العقل في أن يثق بكذبه وبقضاياه مهما نظر في غير محسوس أن يأخذ مقدمات يقينية يساعد الوهم عليها وينظمها بنظم المقايسين التي ذكرناها. فإن الوهم يساعد على أن اليقينيات إذا نظمت كذلك كانت النتيجة لازمة كما سبق من الأمثلة وكما في سائر الهندسيات فيتخذ ذلك ميزانا وحاكما بينه وبينه. فإذا رأى الوهم قد كاع عن قبول نتيجة دليل قد ساعد على مقدماته وساعد على صحة نظمه وساعد على أن مثل هذا النظم منتج بالضرورة وأن تلك المقدمات صحيحة بالضرورة ثم أخذ يمتنع عن قبول النتيجة علم أن ذلك من نفور في طباعها عن إدراك هذا الشيء الخارج عن المحسوسات. فاكتف بهذا القدر فإن تمام الإيضاح لا يحصل إلا بالامتحان في أمثلة كثيرة ، وذلك مما يطول فيه الكلام.
السابع المشهورات : وهي آراء مجموعة أوجب التصديق بها ، إما شهادة الكل والأكثر أو شهادة الجماهير أو الأفضل ، كقولك الكذب قبيح والإنعام حسن وشكر المنعم حسن وكفران النعمة قبيح وهذه قد تكون صادقة وتكون كاذبة ، فلا يجوز أن يعوّل عليها في مقدمات القياس. فإن هذه القضايا ليست أولية ولا وهمية ، فإن الفطرة الأولى لا يقضي بها بل ينغرس قبولها في النفس بأسباب كثيرة تعرض من أول الصبي ، وذلك بتكرير ذلك على الصبي وتكليفه اعتقاده وتحسين ذلك عنده ، وربما يضطر إليها حب التسالم وطيب المعاشرة ، وربما نشأ من الحياء ورقة الطبع ، فنرى أقواما يصدقون بأن ذبح البهائم قبيح ويمتنعون من أكل لحومها وما يجري هذا المجرى ، فالنفرة من المجبولة على الجبن والرقة أطوع لقبولها ، وربما حمل على التصديق بها الاستقراء الكثير ، وربما كانت القضية صادقة ولكن بشرط دقيق لا يفطن الذهن لذلك الشرط ويستمر على تكرير التصديق فيترسّخ في نفسك كمن يقول مثلا التواتر لا يورث العلم لأن قول الواحد لا يورث ، وكذلك الثاني ، فقد انضم ما لا يوجب إلى ما لا يوجب والمجموع لا يزيد على الآحاد ، لأن قوله الواحد لا يوجب العلم ، إذ يجوز عليه