الغلط ، وهذه قضية يظن أنها صادقة بالإطلاق وليس كذلك ، بل الصادق أن قول الواحد المنفرد بقوله يحتمل الغلط والجمع يخرجه عن الانفراد ، وكل واحد لا يوجب قوله العلم بشرط أن لا يكون معه الآخرون ، فإذا اجتمعوا بطل هذا الشرط. وهذه من المثارات العظيمة الغلط وللتصديق بالمشهورات أسباب كثيرة يطول إحصاؤها ولا ينبغي أن تتّخذ مقدمات القياس اليقيني منها البتّة ، وأكثر أقيسة الجدليين من المتكلمين والفقهاء في مجادلاتهم وتصانيفهم مؤلّفة من مقدمات مشهورة فيما بينهم ، سلّموها لمجرد الشهرة وذهلوا عن سببها. ولذلك نرى أقيستهم تنتج نتائج متناقضة فيتحيّرون فيها وتتخبط عقولهم في تنقيحها. فإن قلت فيما أدرك الفرق بين المشهور والصادق فاعرض قول القائل الصدق جميل والكذب قبيح على العقل الأولي الفطري الموجب للأوليات ، وقد رانك لم تعاشر أحدا ولم تخالط أهل ملة ولم تأنس بمسموع ولم تؤدّب باصطلاح ولم تهذب بتعليم أستاذ وأب ومرشد وكلّف نفسك أن تشكك فيه ، فإنك تقدر عليه وتراه متأتيا ، وإنما الذي يعسر عليك هذه التقريرات. فإن تقدير الجوع في حال الشبع عسير وكذا تقدير كل حالة أنت منفك عنها في الحال. ولكن إذا تحدّقت فيه أمكنك التشكّك ، ولو كلفت نفسك الشك في أن الاثنين أكثر من الواحد لم يكن الشك متأتيا بل لا يتأتى الشك في أن العالم ينتهي إلى خلا وهو كاذب وهمي ، ولكن فطرة الوهم تقتضيه والآخر تقتضيه فطرة العقل. فأما كون الكذب قبيحا فلا تقضي به لا فطرة الوهم ولا فطرة العقل بل ما ألفه الإنسان من العادات والأخلاق والاصطلاحات ، وهذه أيضا مغاصة مظلمة يجب التحرز عنها. وقلّ من لا يتغير بهذه المقدمات ولا تلتبس عليه باليقينيات ، لا سيما في تضاعيف الأقيسة مهما كثرت المراتب والمقدمات. وهذا القدر كاف في المقدمات التي هي جاملة للنظم والترتيب والتأليف. والمستفاد من غلط الوهم لا يصلح البتة والمشهورات تصلح للفقهيات الظنية ولا تصلح لغيرها ولنختم هذا في المقاصد.