النظم الثالث ، ومهما كانت العلة أعم من المحكوم عليه وأخص من الحكم أو مساويا للحكم كان من النظم الأول وأمكن أن تستنتج منه القضايا الأربعة ، ومهما كانت العلة أعم من الحكم والمحكوم عليه جميعا كان من النظم الثاني ولم ينتج منه إلا النفي ، أما الإثبات فلا. ومثاله من العادات أن تقول هذه المرأة حبلى فيقال لم فتقول لأنها عظيمة البطن فهذا دليل فاسد وقد حذف إحدى مقدمتيه. وتمامه أن يقول هذه المرأة عظيمة البطن وكل عظيمة البطن فهي حبلى فهذه المرأة إذا حبلى ، والعلة عظيمة البطن وقد جعل خبرا في المقدمتين ، وهو أعم من المحكوم عليه فإنه المرأة المعيّنة وعظيمة البطن ، إذ قد يعظم بطن غيرها ، وأعم أيضا من الحكم فإن الحكم هو الحبل وعظم البطن أعم منه إذ قد يكون بالاستسقاء والسمن والانتفاخ.
والغلط من هذا الوجه في الفقهيات والكلاميات أكثر من أن يحصى. وأما مثال المختلطات المركبة من كل نمط فكقولك الباري تعالى إن كان على العرش فهو إما مثل أو أكبر أو أصغر أو مساو ، وكل مساو أو أكبر أو أصغر مقدّر وكل مقدر إما أن يكون جسما أو لا يكون جسما ، وباطل أن لا يكون جسما فثبت أنه جسم فيلزم أن يكون الباري تعالى جسما ومحال أن يكون جسما فمحال أن يكون على العرش. وهكذا تجري أكثر المقاييس في التصانيف والمحاورات وبه تتيسر التلبيسات ، إذ يمكن أن يهمل في وسط هذه الكثرة مقدمة فيها غلط ، فمن لا يقدر على تحليل هذا التركيب وردّه إلى ما سبق ربما غلط من حيث لا يدري وصدّق بقياس لا يجب التصديق به. وقد اشتمل هذا على النمط الأول وعلى النمط الثاني وهو التلازم وعلى النمط الثالث وهو التقسيم والتعاند ، وإذا اتقنت المفردات أمكنك رد المختلطات إليها فلست أطول بتعليم وجه التحليل فقد لاح لك بهذه الأمثلة أنه لا يتصور أن ينطق أحد في معرض دليل بكلمة إلا ورجع إلى ما ذكرناه.