حدود الدار كان محالا ، إذ ليس له حدود وإنما حدّه منقطعه ومنقطعه سطحه الظاهر وهو سطح واحد متشابه وليس بسطوح مختلفة ولا هي منتهية إلى مختلف ، حتى يقال أحد حدوده ينتهي إلى كذا والآخر إلى كذا ، فهذا المثال المحسوس ربما يفهم منه مقصدي من هذا الكلام ولا يفهم من قولي إن السواد مركب من معنى اللونية والسوادية وإن اللونية جنس والسوادية نوع إن في السواد ذات متباينة متفاصلة فلا نقول السواد لون وسواد ، بل هو لون ذلك اللون بعينه هو سواد ، بل معناه يتركب ويتعدد عند العقل حتى يعقل اللونية مطلقا ولا تخطر له الزرقة مثلا ثم يعقل الزرقة فيكون العقل قد عقل أمرا زائدا لا يمكن أن تجحد تفاصيله في الذهن ، ولا يمكنه أن يعتقد تفاصيله في الوجود ولا يظنن أن منكر الحال يقدر على حد شيء البتة ، لأنه إذا ذكر الجنس واقتصر بطل عليه ، وإذا زاد شيئا للاحتراز فيقال الزيادة عين الأول أو غيره ، فإن كان عينه فهو تكرر فاطّرحه وإن كان غيره فقد اعترفت بأمرين. وإذا قال في حد الجوهر إنه موجود قلنا بطل بالعرض. وإذا قال متحيّز قلنا قولك متحيّز مفهومه غير مفهوم الموجود أو عينه ، فإن كان عينه فكأنك قلت موجود موجود فإن المترادفة كالمتكررة فهو إذا باطل بالعرض.
وإن قولك موجود لا يدفع النقض ، وقولك متحيّز فهو عينه بالمعنى لا باللفظ. لأن كل لفظ لا يدفع نقضا ، فتكراره لا يدفع ومرادفه لا يدفع ، فمهما انتقض قولك أسد بشيء لم يندفع النقض بقولك ليث كما لا يندفع بقولك أسد. فقد عرفت أن المفرد لا يمكن أن يكون له حدّ حقيقي إلا لفظي ، كقولك في حدّ الموجود إنه الشيء؛ أو رسمي كقولك في حدّ الموجود إنه المنقسم إلى الفاعل والمفعول أو الخالق والمخلوق أو القادر والمقدور أو الواحد والكثير أو القديم والحادث أو الباقي والفاني أو ما يشبه من لوازم الموجود وتوابعه. فكل ذلك ليس نبأ عن ذات الوجود بل عن تابع لازم لا يفارق البتة. واعلم أن المركب إذا حدّدته بذكر آحاد الذاتيات توجّه السؤال عن حد الآحاد. فإنك إذا قيل لك ما حدّ الشجر فقلت نبات قائم على ساق فقيل لك ما حدّ النبات فتقول جسم نام ، فيقال وما حدّ الجسم