جسم وعرض. وثار عند هذا فريق ثالث وتغلغلوا زيادة تغلغل ، وقالوا هذا صحيح ولكن هذه الروح في بدنه ، وهناك موجود آخر يعبّر عنه بالنفس من صفته أنه قائم بنفسه لا متحيّز نسبته إلى البدن نسبة اللّه تعالى إلى العالم ، لا هو داخل في العالم ولا هو خارج عنه. والتفتوا إلى أن الروح جسم منقسم وأجزاؤه متشابهة. فلو كان هو المدبر المدرك من الإنسان لكان لكل شخص أرواح كثيرة ، واحتمل أن يكون في بعض أجزائها علم بالشيء وفي بعضها جهل بالشيء ، فيكون عالما بالشيء جاهلا به. فلا بد من شيء هو نافذ لا ينقسم ، وكل جسم منقسم. وزعموا أن الجسم الذي لا يتجزأ محال ثم التفتوا مع ذلك إلى أن هذه الروح كيف ترسل أو تمسك في حالة النوم ، ولو خرجت الروح من البدن في النوم لكان ميتا لا حيا. ولمّا كانت التخيلات والأحلام ومعرفة الغيب بطريق الرؤية صحيحة زعموا أنه ليس يخرج من النائم جسم ينفصل عنه ، فإنه لو عاد إليه لدخل في منفذ. فإن الأجسام لا تتداخل ولو شدّ فم النائم وأنفه أو لا ثم نبّه لتنبه ولاحظوا فيه أمورا أخر لا يمكن إحصاؤها وقالوا لو لم يكن إلا الجسم والروح لذكره الشارع. فإن الجسم اللطيف مفهوم وإنما الذي لا يفهم موجود لا خارج البدن ولا داخله. والأولون أحالوا هذا ، فالنافية إثبات موجود حادث لا داخل البدن ولا خارجه وهو محال. فهذا ترتيب نظرهم. فإن قلت فما الصحيح من ذلك فاعلم أن المسئول فيه ليس يخلو إما أن يكون غير عالم ، فلا يمكن البيان ، وإما أن يكون عالما فلا يحل له الخوض فيه. فإن الروح سر اللّه تعالى كما أن القدم سر اللّه ولم يرخّص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالخوض في شرحه. وكان من أوصافه في التوراة ١أنه لا يجيب عن كذا وكذا ، أي لا يشرح عن أسرارها ، ومن جملته الروح. ولا يظن أن اللّه تعالى لم يطلعه عليها ، فإنه عرف أمورا أعظم منها. والجاهل بالروح جاهل بنفسه فكيف
__________________
(١) لعلها التوراة.