والنظم فيه ، وهي المقدمات. وأقل ما ينتظم منه قياس مقدمتان أعني علمين يتطرق إليهما التصديق والتكذيب. وأقل ما تحصل منه مقدمة معرفتان توضع إحداهما مخبرا عنه والأخرى خبرا أو وصفا. فقد انقسم القياس إلى مقدمتين ، وانقسمت كل مقدمة إلى معرفتين تنسب إحداهما إلى الأخرى ، وكل مفرد فهو معنى ويدل عليه لا محالة بلفظ. فيجب ضرورة أن ينظر في المعاني المفردة وأقسامها ، وفي الألفاظ المفردة ووجوه دلالتها. ثم إذا فهمنا اللفظ مفردا والمعنى مفردا ألّفنا معنيين وجعلناهما مقدمة ، وننظر في حكم المقدمة وشرطها ثم نجمع مقدمتين فنصوغ منهما قياسا ، وننظر في كيفية الصياغة الصحيحة. وكل من أراد أن يعرف القياس بغير هذا الطريق فقد طمع في محال ، وكان كمن طمع في أن يكتب الخطوط المنظومة وهو لا يحسن كتبة الكلمات ، أو يطمع أن يكتب الكلمات وهو لا يحسن كتبة الحروف المفردة ، وهكذا القول في كل مركب. فإن أجزاء المركب تتقدم على المركب بالضرورة حتى لا يوصف اللّه تعالى بالقدرة على خلق العالم المركب دون الآحاد ، كما لا يوصف بالقدرة على تعليم كتبة الخطوط المنظومة دون تعليم الكلمات والحروف ، فهذه الصورة ينبغي أن تشمل كلامنا.
فالقياس على ثلاثة فنون :
الفن الأول : في السوابق وهو النظر في الألفاظ ثم في المعاني ثم في تأليف مفردات المعاني إلى أن تصير علما تصديقيا يصلح أن يجعل مقدمة.
الفن الثاني : النظر في كيفية تأليف المقدمات لينصاغ منها صحيح النظم وهو في المقاصد ، فإن ما قبله استعداد له. ويشتمل هذا الفن على مدارك العلوم اليقينية الأولية التي منها التأليف ونسبتها إلى القياس نسبة الثوب إلى القميص.
الفن الثالث : في لواحق ينعطف عليها بالكشف عند الفراغ منها تبتدي بالنظر في الحدود وشروطها.