من معرفته. وربما يظنّ أن نقيض القضية جلي لا يحتاج إلى البيان ، ومع ذلك فإنه مثار لجملة من الأغاليط لا تحصى ، فإن الأمور في أوائلها تلوح جلية ولكن إذا لم يهتم الناظر بتنقيحها وتحقيقها اعتاص عليه التفصيل بين القضيتين المتنافيتين. وأعني بالقضيتين المتنافيتين كل قضيتين إذا صدقت إحداهما كذبت الأخرى بالضرورة ، كقولنا العالم حادث العالم ليس بحادث ، وهما قضيتان تصدق إحداهما وتكذب الأخرى ، وإنما يلزم صدق إحداهما من كذب الأخرى بستة شروط.
الأول : أن يكون المحكوم عليه في القضيتين واحدا بالذات لا بمجرد اللفظ ، فإن اتّحد الاسم دون المعنى لم يتناقضا ، كقولك النور مدرك بالبصر النور ليس بمدرك بالبصر ، فهما صادقان إن أردت بأحدهما الضوء وبالآخر نور العقل ، وكذلك لا يتناقض قول الفقهاء المضطر مختار المضطر ليس بمختار في مسئلة المكره ، وقولهم المضطر آثم المضطر غير آثم إذ المضطر قد يعبّر به عن المدعو بالسيف إلى الفعل فالاسم متّحد والمعنى مختلف.
الثاني : أن يكون الحكم واحدا والإثم متناقضا كقولك العالم قديم العالم ليس بقديم ، وأردت بأحد القديمين ما أراد اللّه تعالى بقوله (كَالْعُرْجُونِ اَلْقَدِيمِ) (١) وكذلك أيضا لم يتناقض قول الخصمين المكره مختار والمكره ليس بمختار ، إذ ذكرنا أن المختار عبارة عن معنيين مختلفين.
الثالث : أن تتّحد الإضافة في الأمور الإضافية فإنك لو قلت زيد أب زيد ليس بأب لم يتناقض ، إذ يكون أبا لبكر ولا يكون أبا لخالد ، وكذلك تقول زيد أب ، زيد ابن ، فيكون أبا لشخص وابنا لآخر ، والعشرة نصف والعشرة ليست بنصف أي هي نصف العشرين. وليست نصف الثلاثين.
__________________
(١) سورة يس ، الآية ٣٩.