يمثل بعض البيوت التجارية في بيروت ، ركب يوما حصانه ، فأدى به طريقه إلى سوق الهرج ، وفي هذه الأثناء كان نامق باشا ذاهبا إلى الصلاة يوم جمعة وموكبه مؤلف آنئذ من فرسان الجندرمة يتقدمهم ضابط كبير ، وجاء القواصون بعدهم يتقدمهم رئيسهم (قواص باشي) ، ثم كبار موظفي الدولة ، والوالي يأتي بعدهم راكبا حصانه ، ويتبعه الكهية ثم الإمام ، وعدد كبير من رجال الدين.
وكان قد اعتاد الناس أن يبقوا واقفين عند مروره ، كما أنه إذا مرّ خيّال بهذا الموكب ترجّل احتراما إلى أن يمضي الموكب. أما الشامي فيظهر أنه كان يجهل التقاليد ، فلم يترجّل ، فلما شاهده نامق باشا بهذه الحالة عدّ ذلك سوء أدب أو صلافة منه لا سيما بعد أن علم أنه نصراني فأمر الجندرمة بإنزاله عن حصانه فأخذ هؤلاء يوجعونه ضربا مبرحا بمؤخرة بنادقهم (قونداق) حتى أسالوا منه الدماء ، وبقي طريح الفراش بضعة أسابيع. أما القنصل الفرنسي فقد احتج احتجاجا شديدا على هذه الفعلة القاسية ، كما أن السفير الفرنسي باستنبول قدم احتجاجا مماثلا للباب العالي طالبا تعويضا ماليا للمعتدى عليه (٣٦٠٠٠) فرانق فكانت النتيجة أن استدعي نامق باشا إلى استنبول بعد أن حكم مدة (٩) أشهر (١).
يعزو الغربيون عزله إلى هذا الحادث. وأعتقد أن اضطراب الحالة كانت السبب الرئيسي.
عزل نامق باشا :
مما مرّ عرفنا الحالة السياسية ، والأوضاع الحكومية أيام نامق باشا ، فكانت الأمور مرتبكة ، والناس في ريب من أوضاعهم. علا
__________________
(١) كتاب بغداد وسكة حديدها باللغة التركية ، وكتاب بغداد لنجيب شيحة بالعربية والفرنسية.