ويتجرع ما أجرى الله تعالى على يد واليها من سموم الأكدار والأنكاد ، وذلك أنه أفسد البر ، وحلف ليكثرن فيه الهرج والمرج فبرّ ، فعصفت بي عواصف الغيرة ، فقذفتني في بيداء الحيرة ، ومقلتني في بحار التشويش ، فجعلت أتشبث بكل حشيش ، وشرعت أغري على طلب وزارتها كل من أراه ، وإن كنت أعلم أنه لا يصلح أن يكون واليا على خراه ، ولم أدر ما أودع في بطون الأقدار ، وما ينتجه إيلاج الليل والنهار ، فأصبح يطلبها منك (فنك) ذباب وهو لعمري أقذر من الطلياء وأهون من معباه القحاب. لم يزل ماله في زيادة وهو مع ذلك أبخل من كلب بني زائدة ... وانقضت الأيام والأمر بين نقض وإبرام.
ولما خرجت سمعت في الطريق بأن الوالي قد عزل على التحقيق ، وأنه قد نصب بدله من لم يكن يخطر ببال ، ولم يمكن أن يرى برصد الفكر في سماء الخيال ، وهو المشير العديم النظير الوزير رشيد باشا الگوزلگلي ـ لا رأته المكاره ـ بدر بنيها الواضح الجلي ، حتى إذا دخلت ديار بكر ، سمعت من زيد وعمرو مزيد الثناء عليه ، وأنه المشير المشار ببنان التعظيم إليه (إلى أن قال :) ثم سرت متوجها معه إلى بغداد ...» اه (١).
ولعل في هذا ما يعين أوضاع بغداد ، ودرجة الأمن ، وفي ذلك تأييد لما جاء في التاريخ المجهول. تألم الأستاذ الآلوسي لحالتها ، فلم يقصر ببيان. وذكر عن وادي شيخ زبيد ما يؤيد. وهذا لم ير مسيطرا فتسلط وإن الأستاذ سليمان فائق أيد اضطراب الحالة ، وإن كان حاول التوجيه ، وهو الكاتب البليغ القدير والسياسي الماهر.
__________________
(١) حديقة الورود ص ٦٤٨.