نظرة حضرة السلطان بأعلى محل ، وقد اطلعت على اتفاق معظم الوكلاء على السعي في عزله ، لما اطلعوا على اضمحلال العراق ، واختلاف أهله ، وأن بغداد بعد أن كانت شجرة لا يبلغ الطير ذراها :
قد تراخى الأمر حتى أصبحت |
|
هملا يطمع فيها من يراها |
وأنه لا يستطيع الطير أن يطير ، ولا الأسد الوثاب أن يسير ، ما بين باب حلّتها وبصرتها ، بل ما بين باب كرخها ومقبرتها ، وتعذر على الساعي الخريت ، الذهاب من باب الكاظم إلى هيت وتكريت ، حيث كثر القتل والنهب في جهاتها الأربع ، فغدا كل من اشتمل عليه سورها يفتت مما عراه اليرمع ، فلم يلق حضرة السلطان لهم سمعا ، وعلموا منه أنه يحب المشير المشار إليه طبعا ، فتركوا لما أيسوا العراق على ما فيه ، ولم يعبأوا بانقطاع ما كان يسيل من الذهب والفضة من واديه ، حتى إذا وصلت إلى آمد رأيت الخبر أظهر من أن يجحده جاحد ، فقلت سبحان مقلب القلوب ، الشاهدة أفعاله بأنه الرب المتصرف وما سواه مربوب ، وملأ التعجب من قلبي أركانه وإن كنت تحققت أنه رفع الله تعالى قدره نصب مشير الطوبخانة ، وكان هذا النقض والإبرام في أول ذي القعدة الحرام (١) ، فنسأل الله تعالى شأنه أن يوفق كلّا فيما نصب له ، ويزيل عن العراق ما أسال عرق القربة ، ويسيل عليه فضله» اه (٢).
وجاء في حديقة الورود :
«ولما دخلتها ـ فروق ـ جعل سمعي يفت حنظل أخبار بغداد ،
__________________
(١) في تاريخ جودت باشا أنه عزل من بغداد وعين إلى المدفعية في ٢٩ شوال سنة ١٢٦٩.
(٢) نشوة المدام. مخطوطتي رقم ٧٥. والمطبوعة ص ٤٩.