«وفي اليوم السادس والعشرين من محرم الحرام ، وكان من حيث المطر والهواء أهون الأيام ، ظهر خير خبر ، وأبرّ أثر ، وهو خبر والي الزوراء ، على دخول مدينة آمد السوداء ، وتنوير أرجائها بأنوار طلعته الغراء ، فذهبت مع وجوه البلد ، وهم كأصابع الكف في العدد ، إلى حضرة واليها ، ومن إليه مرجع أهاليها ، فجلسنا عنده على أحسن حال ، ثم قمنا جميعا للاستقبال ، فقعدنا برهة من الزمان في خيمة نصبت عند كشك السريان ، حتى إذا لاح خميس ذلك الوالي ، وأقبل نحونا ركابه العالي ، أسرعنا لاستقباله ، واستكشاف حالي حاله ، فأدركنا ذلك الشهم ، على نحو غلوة سهم ، فإذا هو وال رشيد ومشير مأمون له احتفال برعيته حتى كأنه ينظر إليهم بأربعة عيون ، وقد صحبه سليل الأجلة الأمجاد ، مولانا (محمد عبد الرؤوف أفندي الپرلپه وي) قاضي بغداد ، ورأيناه سجل المفاخر ، قد ورث الفضل كابرا عن كابر ، وكذا جناب ذو الخلق النفيس عبد الله أفندي نائب بدليس ، وكان منتسبا إليه منذ كان مشيرا في إيالة كردستان فيقال إنه جلبه إلى خربوت وتوسط له بالنيابة فملأ من عياب رسومها على الوجه المرسوم إهابه ، وقد أمره برفاقته إلى محل إقامته ، وهو حسب القياس والاستحسان حري بالاستصحاب ، فقد وقع الإجماع على عمله في المصالح المرسلة إليه بالسنّة والكتاب ، وقد جمعنا العشاء مع الموما إليه في بيت المفتي ، فرأيت منه ما يقضي بمزيد نجابته ويفتي ، ولم نزل نجتمع كل ليلة عند الوزير معه ، فنكاد نحيي بحلو السمر الليل أجمعه ، وقد علمت من أمر الوالي ، في هاتيك المعالي أنه لا نظير له بين الوزراء ، ولا نظرت مثله عين الزوراء.
ولما كانت ليلة الخميس سادسة صفر ، صنع المفتي وليمة لم يبق فيها ولم يذر ، فبعد أن رفعت ألوان الطعام ، ونصبت في البين موائد الكلام ، قال : غدا إن شاء الله تعالى عدة سفرة السفر ، فامتلأت آنية