ناصر أخو القائممقام ثار في وجهه ، وأشاع إشاعات من شأنها إحداث القلاقل وتحريض الأهلين على الحكومة ، فتولد الخلاف بين الأخوين ، فكانت معارضة الشيخ ناصر شديدة. قالوا إن هذه الأمور كانت تجري في الخفاء بسبب المحاسب سليمان فائق ، وأنه أصل الفتن ، فالتزم قتله ولكن الوجوه والأعيان لم يوافقوه على ما عزم عليه ، وقالوا إن هذا من المماليك ولم يكن من الأروام (الترك العثمانيين) ، وأقاربه في بغداد كثيرون ، وهم من أهل النفوذ ، وإن قتله لا يشبه قتل أمثاله من الأروم .. وأن أولاده وأقاربه يسولون حينئذ للولاة إثارة الزعازع والفتن للانتقام له .. فتقع حوادث لا نستطيع التخلص منها ، وتتوالى الاضطرابات ، فلا نتمكن أن نبرئ ساحتنا من قتله ، فليس من العقل التسرع بقتله ومن معه من الأروام.
ومن ثم طلبوا أن يؤجل الأمر إلى مذاكرة عامة ، واقترحوا التأجيل إلى أن يستقر الرأي .. ولما عرضت القضية على منصور بك بيّن أنه صديقه القديم وضيفه ، فلا يقبل أن يقتل ، وأنه إذا لحقه شيء لا يتأخر لحظة عن أن يقتل نفسه (ينتحر) .. ولما رأوا من منصور بك ذلك عدلوا عن قتل سليمان بك ، ولكنهم لم يرضوا بوجه أن تحول المشيخة إلى قائممقامية وأعلنوا عصيانهم ، ونهبوا الميرة والحبوب المرسلة من لواء الحلة إلى البصرة نهرا ، وكذا قطعوا الخطوط البرقية بين بغداد والحلة ، وكان تمديدها من أمد قريب .. وبذلك قصدوا أن يكبروا الحادث في عين الحكومة ، وأبقوا المحاسب مدة ثلاثة أشهر غير مسموح له بالخروج إلا أنه كان معززا في الظاهر .. ثم أذنوا له بالعودة (١) ..
__________________
(١) وفي قرة العين أن سليمان بك وصل إلى سوق الشيوخ بمهمة خاصة (هي محاسبة اللواء) فاتفق الأهالي على قتله وضيقوا عليه فأنقذه والدي ـ داود السعدي ـ وأرسله إلى القرنة مع بعض المشائخ فوصل إليها سالما» اه. قال ذلك رشيد السعدي ويصح أن تكون له يد.