الدولة لم تنل ما كانت تتطلبه من هذا الفتح ، والوزير في بغداد لم يتمكن من إعاشة الجيش ولا استيفاء راتبه إلا من طريق التغريم والمصادرة .. فكان الملا علي (الخصي) كاتب مقاطعة الخالص ، ومحمد الليلاني ، وآخرون أمثالهما أرادوا التقرب من الحكومة ، فأجروا مظالم بلغت الغاية في القسوة وتعرضوا بالمخدرات من النساء ، صاروا يعذبونهن بأنواع التعذيب .. فتجاوزوا على زوجة رضوان آغا المقتول في الواقعة. ضربوها بالفلقة ، وكووا بدنها بالسيخ (الشيش) (١) مع أنها من المخدرات ، وارتكبوا فجائع مما لا يأتلف والأخلاق المقبولة. آلموا الأهلين كثيرا (٢) .. وذلك بأمل تقديم مبالغ للجيب الهمايوني ، وسدّ جشع الوالي وأعوانه. فكان أثر هذه الواقعة كبيرا جدا. ثم أدركت الدولة غلطها ، وعلمت ما ولدته من نفرة في نفوس الأهلين ، فحاولت أن تتدارك الأمر فلم تفلح (٣) .. والبغض لا يبدل بسهولة فينقلب إلى حب.
آل رضوان آغا :
تنتسب إليه أسرته المعروفة باسمه. أعقب ولدا صغيرا لا يتجاوز عمره آنئذ الست سنوات اسمه عبد الوهاب ، فهربه الأهلون ، أخفوه في دار الأستاذ عبد الغني جميل ، وأصاب أمه الاعتداء. وهي نائلة خاتون من أسرة نقيب (مندلي). وكان التضييق عليها أدى إلى أن تظهر (مشربات) (٤) مملوءة ذهبا ، وبعد ذلك صدر العفو عن المماليك ، فعادوا
__________________
(١) السيخ والشيش عاميتان. مستعملتان اللفظة الأولى فارسية والثانية تركية. معربتان. دخلتا بعض كتب اللغة مثل محيط المحيط وأصل عربيتها (سفود) ومستعملة الآن في الموصل بهذا اللفظ وفي مصر وبلاد أخرى. والفلقة معروفة من مدة طويلة. وكانت مستعملة في الكتاتيب لتأديب الصغار.
(٢) مرآة الزوراء ص ١٥٣.
(٣) تاريخ الشاوي ص ٧.
(٤) المشربة جرة نحاسية أو إناء يستعمل لنقل الماء وغيره من السوائل أو لحفظه.