إِلهٌ واحِدٌ) وصفه تعالى لنفسه بأنه واحد انتظم معاني كلها مرادة بهذا اللفظ منها إنه واحد لا نظير له ولا شبيه ولا مثل ولا مساوي في شيء من الأشياء فاستحق من أجل ذلك أن يوصف بأنه واحد دون غيره ومنها أنه واحد في استحقاق العبادة والوصف له بالألوهية لا يشاركه فيها سواه ومنها أنه واحد ليس بذي أبعاض ولا يجوز عليه التجزى والتقسيم لأن من كان ذا أبعاض وجاز عليه التجزى والتقسيم فليس بواحد على الحقيقة ومنها أنه واحد في الوجود قديما لم يزل منفردا بالقدم لم يكن معه وجود سواه فانتظم وصفه لنفسه بأنه واحد هذه المعاني كلها قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الآية قد انتظمت هذه الآية ضروبا من الدلالات على توحيد الله تعالى وأنه لا شبيه له ولا نظير وفيها أمر لنا بالاستدلال بها وهو قوله (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يعنى والله تعالى أعلم أنه نصبها ليستدل بها ويتوصل بها إلى معرفة الله تعالى وتوحيده ونفى الأشباه عنه والأمثال وفيه إبطال لقول من زعم أنه إنما يعرف الله تعالى بالخبر وأنه لا حظ للعقول في الوصول إلى معرفة الله تعالى* فأما دلالة السموات والأرض على الله فهو قيام السماء فوقنا على غير عمد مع عظمها ساكنة غير زائلة وكذلك الأرض تحتنا مع عظمها فقد علمنا أن لكل واحد منهما منتهى من حيث كان حيث كان موجودا في وقت واحد محتملا للزيادة والنقصان وعلمنا أنه لو اجتمع الخلق على إقامة حجر في الهواء من غير علاقة ولا عمد لما قدروا عليه فعلمنا أن مقيما أقام السماء على غير عمد والأرض على غير قرار فدل ذلك على وجود الباري تعالى الخالق لهما ودل أيضا على أنه لا يشبه الأجسام وأنه قادر لا يعجزه شيء إذ كانت الأجسام لا تقدر على مثل ذلك وإذا صح ذلك ثبت أنه قادر على اختراع الأجسام إذ ليس اختراع الأجسام واختراع الأجرام بأبعد في العقول والأوهام من إقامتها مع عظمها وكثافتها على غير قرار وعمد ومن جهة أخرى تدل على حدوث هذه الأجسام وهي امتناع جواز تعريها من الأعراض المتضادة ومعلوم أن هذه الأعراض محدثة لوجود كل واحد منها بعد أن لم يكن وما لم يوجد قبل المحدث فهو محدث فصح بذلك حدوث هذه الأجسام والمحدث يقتضى محدثا كاقتضاء البناء للبانى والكتابة للكاتب والتأثر للمؤثر فثبت بذلك أن السموات والأرض وما بينهما من آيات الله دالة عليه* وأما دلالة اختلاف الليل والنهار على الله تعالى فمن جهة أن كل واحد منهما حادث بعد