غير جائز أن يكون له أحد شيئين على وجه التخيير ويقتصر صلىاللهعليهوسلم بالبيان على أحدهما دون الآخر لأن ذلك يوجب نفى التخيير ومتى ثبت فيه تخيير بعده كان نسخا له* فإن قيل قد روى ابن عيينة هذا الحديث الآخر عن عمرو بن دينار عن طاوس موقوفا عليه ولم يذكر فيه ابن عباس ولا رفعه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم* قيل له كان ابن عيينة حدث به مرة هكذا غير مرفوع وحدث به مرة أخرى كما حدث سليمان بن كثير وقد كان ابن عيينة سيئ الحفظ كثير الخطأ ومع ذلك فجائز أن يكون طاوس رواه مرة عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم ومرة أفتى به وأخبر عن اعتقاده فليس إذا في ذلك ما يوهن الحديث* وقد تنازع أهل العلم معنى قوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) فقال قائلون العفو ما سهل وما تيسر قال الله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ) يعنى والله أعلم ما سهل من الأخلاق وقال النبي صلىاللهعليهوسلم (أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله) يعنى تيسير الله وتسهيله على عباده فقوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) يعنى الولي إذا أعطى شيئا من المال فليقبله وليتبعه بالمعروف وليؤد القاتل إليه بإحسان فندبه تعالى إلى أخذ المال إذا سهل ذلك من جهة القاتل وأخبر أنه تخفيف منه ورحمة كما قال عقيب ذكر القصاص من سورة المائدة (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) فندبه إلى العفو والصدقة وكذلك ندبه بما ذكر في هذه الآية إلى قبول الدية إذا بذلها الجاني لأنه بدأ بذكر عفو الجاني بإعطاء الدية ثم أمر الولي بالاتباع وأمر الجاني بالأداء بالإحسان* وقال بعضهم المعنى فيه ما روى عن ابن عباس وهو ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان الثوري قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهدا يقول سمعت ابن عباس يقول كان القصاص في بنى إسرائيل ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى ـ إلى قوله ـ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) قال ابن عباس العفو أن يقبل الدية في العمد (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) فيما كان كتب على من كان قبلكم (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) قال بعد قبول الدية فأخبر ابن عباس أن الآية نزلت ناسخة لما كان على بنى إسرائيل من حظر قبول الدية وأباحت للولي قبول الدية إذا بذلها القاتل تخفيفا من الله علينا ورحمة بنا فلو كان الأمر على ما ادعاه مخالفنا من إيجاب التخيير لما قال فالعفو أن يقبل الدية لأن