الجميع وأخذ المال وليس يمتنع أن يكون جميع المعاني التي قدمنا ذكرها عن متأوليها مرادة بالآية فيكون نزولها على سبب نسخ بها ما كان على بنى إسرائيل وأبيح لنا أخذ قليل المال وكثيره ويكون الولي مندوبا إلى القبول إذا تسهل له القاتل بإعطاء المال وموعودا عليه بالثواب ويكون السبب الذي نزلت عليه الآية حصول الفضل من بعض على بعض في الديات فأمروا به بالاتباع بالمعروف وأمر القاتل بالأداء إليهم بإحسان ويكون على اختلاف فيه بيان حكم الدم إذا عفا عنه بعض الأولياء فهذه الوجوه كلها على اختلاف معانيها تحتملها الآية وهي مرادة من غير إسقاط شيء من لفظها* فإن قال قائل وما تأوله المخالفون في إيجاب الدية للولي باختياره من غير رضى القاتل تحتمله الآية فوجب أن يكون مرادا إذ ليس فيه نفى لتأويلات الآخرين ويكون قوله (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) معناه أنه ترك له من قولهم عفت المنازل إذا تركت حتى درست والعفو عن الذنوب ترك العقوبة عليها فيفيد ذلك ترك القود إلى الدية* قيل له إن كان كذلك فينبغي أن يكون لو ترك الدية وأخذ القود أن يكون عافيا لأنه تارك لأخذ الدية وقد يسمى ترك المال وإسقاطه عفوا قال الله (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) فأطلق اسم العفو على الإبراء من المال ومعلوم عند الجميع امتناع إطلاق العفو على من آثر أخذ القود وترك أخذ الدية فكذلك العادل عن القود إلى أخذ الدية لا يستحق اسم العافي إذ كان إنما اختار أحد الشيئين كان مخيرا في اختيار أيهما شاء لأن من كان مخيرا بين أحد شيئين فاختار أحدهما كان الذي اختاره هو حقه الواجب له قد تعين عليه حكمه عند فعله كأنه لم يكن غيره ألا ترى أن من اختار التكفير بالعتق في كفارة اليمين كان العتق هو كفارته كأنه لم يكن غيره وسقط عنه حكم ما عداه أن يكون من فرضه كذلك هذا الولي لو كان مخيرا في أحد شيئين من قود أو مال ثم اختار أحدهما لم يستحق اسم العافي لتركه أحدهما إلى الآخر فلما كان اسم العفو منتفيا عمن ذكرنا حاله لم يجز تأويل الآية عليه وكانت المعاني التي قدمنا ذكرها أولى بتأويلها ثم ليس يخلو الواجب للولي بنفس القتل أن يكون القود والدية جميعا أو القود دون الدية أو أحدهما على وجه التخيير لا جائز أن يكون حقه الأمرين جميعا بالاتفاق ولا يجوز أيضا أن يكون الواجب أحدهما على حسب ما يختاره الولي كما في كفارة اليمين ونحوها لما بينا من أن الذي أوجبه الله تعالى في الكتاب