قيل فيها بالمعروف وأنها على المتقين دل على أنها غير واجبة من ثلاثة أوجه أحدهما قوله (بِالْمَعْرُوفِ) لا يقتضى الإيجاب والآخر قوله (عَلَى الْمُتَّقِينَ) وليس يحكم على كل أحد أن يكون من المتقين الثالث تخصيصه للمتقين بها والواجبات لا يختلف فيها المتقون وغيرهم قال أبو بكر ولا دلالة فيما ذكره هذا القائل على نفى وجوبها لأن إيجابها بالمعروف لا ينفى وجوبها لأن المعروف معناه العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير كقوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولا خلاف في وجوب هذا الرزق والكسوة وقوله تعالى (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) بل المعروف هو الواجب قال الله تعالى (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ـ وقال ـ يأمرون بالمعروف) فذكر المعروف فيما أوجب الله تعالى من الوصية لا ينفى وجوبها بل هو يؤكد وجوبها إذ كان جميع أوامر الله معروفا غير منكر ومعلوم أيضا أن ضد المعروف هو المنكر وأن ما ليس بالمعروف هو منكر والمنكر مذموم مزجور عنه فإذا المعروف واجب وأما قوله (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ففيه تأكيد لإيجابها لأن على الناس أن يكونوا متقين قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ولا خلاف بين المسلمين أن تقوى الله فرض فلما جعل تنفيذ هذه الوصية من شرائط التقوى فقد أبان عن إيجابها وأما تخصيصه المتقين بالذكر فلا دلالة فيه على نفى وجوبها وذلك لأن أقل ما فيه اقتضاء الآية وجوبها على المتقين وليس فيه نفيها عن غير المتقين كما أنه ليس في قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) نفى أن يكون هدى لغيرهم وإذا وجبت على المتقين بمقتضى الآية وجبت على غيرهم وفائدة تخصيصه المتقين بالذكر أن فعل ذلك من تقوى الله وعلى الناس أن يكونوا كلهم متقين فإذا عليهم فعل ذلك ودلالة الآية ظاهرة في إيجابها وتأكيد فرضها لأن قوله (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) معناه فرض عليكم على ما بينا فيما سلف ثم أكده بقوله (بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ولا شيء في ألفاظ الوجوب آكد من قول القائل هذا حق عليك وتخصيصه المتقين بالذكر على وجه التأكيد كما بيناه آنفا مع اتفاق أهل التفسير من السلف أنها كانت واجبة بهذه الآية* وقد روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما يدل على أنها كانت واجبة وهو ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا سليمان بن الفضل بن جبريل قال حدثنا عبد الله بن أيوب قال حدثنا عبد الوهاب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لا يحل لمؤمن يبيت ثلاثا إلا ووصيته عنده) وحدثنا عبد