وواجب أن يجزيه إذا فعل ما أمر به ومن جهة السنة وهو ما روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء فقال من أكل فليمسك ومن لم يأكل فليصم بقية يومه وقد روى أنه أمر الآكلين بالقضاء * حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أحمد بن على بن مسلم قال حدثنا محمد بن منهال قال حدثنا يزيد بن ربيع قال حدثنا شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن ابن سلمة عن عمه قال أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم يوم عاشوراء فقال (أصمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا يومكم هذا واقضوا) فدل ذلك على معنيين أحدهما أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا ولذلك أمر بالقضاء من أكل والثاني أنه فرق بين الآكلين ومن لم يأكل فأمر الآكلين بالإمساك والقضاء والذين لم يأكلوا بالصوم فدل ذلك على أن من الصوم ما كان مفروضا في وقت بعينه فجائز ترك النية من الليل لأنه لو كان شرط صحته إيجاد النية له من الليل لما أمرهم بالصيام ولكانوا حينئذ بمنزلة الآكلين في باب امتناع صحة صومهم ووجوب القضاء عليهم فثبت بما وصفنا أنه ليس شرط صحة الصوم المستحق العين وجود النية له من الليل وأنه جائز له أن يبتدئ النية له في بعض النهار* فإن قيل إنما جاز ترك النية له من الليل لأن الفرض لم يكن تقدم قبل ذلك الوقت وإنما هو فرض مبتدأ لزمهم في بعض النهار فلذلك أجزى له مع ترك النية من الليل وأما بعد ثبوت فرض الصوم فغير جائز إلا أن يوجد له نية من الليل قيل له لو كان إيجاد النية من الليل من شرائط صحته لوجب أن يكون عدمها مانعا صحته كما أنه لما كان ترك الأكل من شرائط صحة الصوم كان وجوده مانعا منه وأن لا يختلف في ذلك حكم الفرض المبتدأ في بعض النهار وحكم ما تقدم فرضه فلما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم الآكلين بالإمساك وأمرهم مع ذلك بالقضاء لأن ترك الأكل من شرط صحته ولم يأمر تاركي النية من الليل بالقضاء وحكم لهم بصحة صومهم إذا ابتدءوه في بعض النهار ثبت بذلك أن إيجاد النية من الليل ليس بشرط في الصوم المستحق العين وصار ذلك أصلا في نظائره مما يوجبه الإنسان على نفسه من الصوم في وقت بعينه أنه يصح بنية يحدثها بالنهار قبل الزوال* فإن قيل فرض صوم عاشوراء منسوخ برمضان فكيف* يستدل بالمنسوخ على صوم ثابت الحكم مفروض* قيل له أنه وإن نسخ فرضه فلم ينسخ دلالته فيما دلت عليه من نظائره ألا ترى إن فرض التوجه إلى بيت المقدس قد نسخ ولم ينسخ بذلك سائر أحكام الصلاة وكذلك قد نسخ فرض صلاة الليل ولم ينسخ سائر أحكام