فقد كان ذلك مشهورا في اللسان قبل نزول القرآن به وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى الخيط الأبيض هو الصبح والخيط الأسود الليل قال والخيط هو اللون* فإن قيل كيف شبه الليل بالخيط الأسود وهو مشتمل على جميع العالم وقد علمنا أن الصبح إنما شبه بالخيط لأنه مستطيل أو مستعرض في الأفق فأما الليل فليس بينه وبين الخيط تشابه ولا مشاكلة* قيل له إن الخيط الأسود هو السواد الذي في الموضع قبل ظهور الخيط الأبيض فيه وهو في ذلك الموضع مساو للخيط الأبيض الذي يظهر بعده فمن أجل ذلك سمى الخيط الأسود* وقد روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم في تحديد الوقت الذي يحرم به الأكل والشرب على الصائم ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه قال سمعت سمرة بن جندب يخطب وهو يقول قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق الذي هكذا حتى يستطير) وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن النعمان قال حدثني قيس بن طلق عن أبيه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (كلوا واشربوا ولا يهدينكم الساطع المصعد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر) فذكر في هذا الخبر الأحمر ولا خلاف بين المسلمين أن الفجر الأبيض المعترض في الأفق قبل ظهور الحمرة يحرم به الطعام والشراب على الصائم وقال صلىاللهعليهوسلم لعدي بن حاتم (إنما هو بياض النهار وسواد الليل) ولم يذكر الحمرة فإن قيل قد روى عن حذيفة قال تسحرنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان نهارا إلا أن الشمس لم تطلع * قيل له لا يثبت ذلك عن حذيفة وهو مع ذلك من أخبار الآحاد فلا يجوز الاعتراض به على القرآن قال الله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فأوجب الصوم والإمساك عن الأكل والشرب بظهور الخيط الذي هو بياض الفجر وحديث حذيفة إن حمل على حقيقته كان مبيحا لما حظرته الآية وقال النبي صلىاللهعليهوسلم في حديث عدى بن حاتم هو بياض النهار وسواد الليل فكيف يجوز الأكل نهارا في الصوم مع تحريم الله تعالى إياه بالقرآن والسنة ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يوجب جواز الأكل في ذلك الوقت لأنه لم يعز الأكل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت لا عن النبي صلىاللهعليهوسلم فكونه مع النبي صلىاللهعليهوسلم في وقت الأكل لا دلالة فيه على علم