فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ) والمراد والله أعلم لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل كما قال تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وقوله (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) يعنى بعضكم بعضا وكما قال صلىاللهعليهوسلم (أموالكم وأعراضكم عليكم حرام) يعنى أموال بعضكم على بعض وأكل المال بالباطل على وجهين أحدهما أخذه على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب وما جرى مجراه والآخر أخذه من جهة محظوره نحو القمار وأجرة الغناء والقيان والملاهي والنائحة وثمن الخمر والخنزير والحر وما لا يجوز أن يتملكه وإن كان بطيبة نفس من مالكه وقد انتظمت الآية حظر أكلها من هذه الوجوه كلها* ثم قوله (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) فيما يرفع إلى الحاكم فيحكم به في الظاهر ليحلها مع علم المحكوم له أنه غير مستحق له في الظاهر فأبان تعالى أن حكم الحاكم به لا يبيح أخذه فزجر عن أكل بعضنا لمال بعض بالباطل ثم أخبر أن ما كان منه بحكم الحاكم فهو في حيز الباطل الذي هو محظور عليه أخذه وقال في آية أخرى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) فاستثنى من الجملة ما وقع من التجارة بتراض منهم به ولم يجعله من الباطل وهذا هو في التجارة الجائزة دون المحظورة وما تلونا من الآي أصل في أن حكم له الحاكم بالمال لا يبيح له أخذ المال الذي لا يستحقه* وبمثله وردت الأخبار والسنة عن النبي صلىاللهعليهوسلم حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا عبد العزيز بن أبى حازم عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجاء رجلان يختصمان في مواريث وأشياء قد درست فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إنما أقضى بينكما برأى فيما لم ينزل على فيه فمن قضيت له بحجة أراها فاقتطع بها قطعة ظلما فإنما يقطع قطعة من النار يأتى بها أسطاما يوم القيامة في عنقه) فبكى الرجلان فقال كل واحد منهما يا رسول الله حقي له فقال صلىاللهعليهوسلم (لا ولكن اذهبا فتوخيا للحق ثم استهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه) ومعنى هذا الخبر مواطئ لما ورد به نص التنزيل في أن حكم الحاكم له بالمال لا يبيح له أخذه* وقد حوى هذا الخبر معاني أخر منها أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد كان يقضى برأيه واجتهاده فيما لم ينزل به وحى لقوله صلىاللهعليهوسلم (أقضى بينكما برأى فيما لم ينزل على فيه) وقد دل ذلك أيضا على أن الذي كلف الحاكم من ذلك الأمر الظاهر وأنه لم يكلف المغيب عند الله تعالى* وفيه الدلالة على أن كل مجتهد فيما يسوغ فيه الاجتهاد