الساحر والمعزم لو قدرا على ما أدعيا من النفع والضرر من الوجوه التي يدعون وأمكنهما الطيران والعلم بالغيوب وأخبار البلدان النائية والخبيئات والسرق والإضرار بالناس من غير الوجوه التي ذكرنا لقدروا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز والغلبة على البلدان بقتل الملوك بحيث لا يبدأهم مكروه ولما مسهم السوء ولا امتنعوا عمن قصدهم بمكروه ولاستغنوا عن الطلب لما في أيدى الناس فإذا لم يكن كذلك وكان المدعون لذلك أسوأ الناس حالا وأكثرهم طمعا واحتيالا وتوصلا لأخذ دراهم الناس وأظهرهم فقرا وإملاقا علمت أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك ورؤساء الحشو والجهال من العامة من أسرع الناس إلى التصديق بدعاوى السحرة والمعزمين وأشدهم نكيرا على من جحدها ويروون في ذلك أخبارا مفتعلة متخرصة يعتقدون صحتها كالحديث الذي يروون أن امرأة أتت عائشة فقالت إنى ساحرة فهل لي توبة فقالت وما سحرك قالت سرت إلى الموضع الذي فيه هاروت وماروت ببابل لطلب علم السحر فقالا لي يا أمة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا فأبيت فقالا لي اذهبي فبولي على ذلك الرماد فذهبت لأبول عليه ففكرت في نفسي فقلت لا فعلت وجئت إليهما فقلت قد فعلت فقالا ما رأيت فقلت ما رأيت شيئا فقالا ما فعلت اذهبي فبولي عليه فذهبت وفعلت فرأيت كأن فارسا قد خرج من فرجي مقنعا بالحديد حتى صعد إلى السماء فجئتهما فأخبرتهما فقالا ذلك إيمانك خرج عنك وقد أحسنت السحر فقلت وما هو فقالا لا تريدين شيئا فتصورينه وهمك إلا كان فصورت في نفسي حبا من حنطة فإذا أنا بالحب فقلت له انزرع فانزرع وخرج من ساعته سنبلا فقلت له انطحن وانخبز إلى آخر الأمر حتى صار خبزا وإنى كنت لا أصور في نفسي شيئا إلا كان فقالت لها عائشة ليست لك توبة فيروى القصاص والمحدثون الجهال مثل هذا للعامة فتصدقه وتستعيده وتسأله أن يحدثها بحديث ساحرة ابن هبيرة فيقول لها إن ابن هبيرة أخذ ساحرة فأقرت له بالسحر فدعا الفقهاء فسألهم عن حكمها فقالوا القتل فقال ابن هبيرة لست اقتلها إلا تغريقا قال فأخذ رحى البزر فشدها في رجلها وقذفها في الفرات فقامت فوق الماء مع الحجر فجعلت تنحدر مع الماء فخافوا أن نفوتهم فقال ابن هبيرة من يمسكها وله كذا وكذا فرغب رجل من السحرة كان حاضرا فيما بذله فقال أعطوني قدح زجاج فيه ماء فجاؤه به فقعد على القدح ومضى إلى الحجر فشق الحجر