أبو بكر قد تكلمنا في معنى السحر واختلاف الفقهاء بما فيه كفاية في حكم الساحر ونتكلم الآن في معاني الآية ومقتضاها فنقول إن قوله تعالى (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) فقد روى فيه عن ابن عباس أن المراد به اليهود الذين كانوا في زمن سليمان ابن داود عليهما السلام وفي زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وروى مثله عن ابن جريح وابن إسحاق وقال الربيع بن أنس والسدى المراد به اليهود الذين كانوا في زمن سليمان وقال بعضهم أراد الجميع من كان منهم في زمن سليمان ومن كان منهم في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم لأن متبعي السحر من اليهود لم يزالوا منذ عهد سليمان إلى أن بعث الله نبيه محمّد صلىاللهعليهوسلم فوصف الله هؤلاء اليهود الذين لم يقبلوا القرآن ونبذوه وراء ظهورهم مع كفرهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم بأنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وهو يريد شياطين الجن والإنس ومعنى تتلو تخبر وتقرأ وقيل تتبع لأن التالي تابع وقوله (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) قيل فيه على عهده وقيل فيه على ملكه وقيل فيه تكذب عليه لأنه إذا كان الخبر كذبا قيل تلا عليه وإذا كان صدقا قيل تلا عنه وإذا أبهم جاز فيه الأمران جميعا قال الله تعالى (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وكانت اليهود تضيف السحر إلى سليمان وتزعم أن ملكه كان به فبرأه الله تعالى من ذلك ذكر ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وقال محمد بن إسحاق قال بعض أحبار اليهود ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيا والله ما كان إلا ساحرا فأنزل الله تعالى (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) وقيل إن اليهود إنما أضافت السحر إلى سليمان توصلا منهم إلى قبول الناس ذلك منهم ولتجوزه عليهم وكذبوا عليه في ذلك وقيل إن سليمان جمع كتب السحر ودفنها تحت كرسيه أو في خزانته لئلا يعمل به الناس فلما مات ظهر عليه فقالت الشياطين بهذا كان يتم ملكه وشاع ذلك في اليهود وقبلته وأضافته إليه وجائز أن يكون المراد شياطين الإنس وجائز أن يكون الشياطين دفنوا السحر تحت كرسي سليمان في حياته من غير علمه فلما مات وظهر نسبوه إلى سليمان وجائز أن يكون الفاعلون لذلك شياطين الإنس استخرجوه بعد موته وأوهموا الناس أن سليمان كان فعل ذلك ليوهموهم ويخدعوهم به* قوله تعالى (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) قد قرئ بنصب اللام وخفضها فمن قرأها بنصبها جعلهما من الملائكة ومن قرأها بخفضها جعلهما من غير الملائكة وقد روى عن الضحاك أنهما كان علجين من أهل بابل والقراءتان