صحيحتان غير متنافيتين لأنه جائز أن يكون الله أنزل ملكين في زمن هذين الملكين لاستيلاء السحر عليهما واغترارهما وسائر الناس بقولهما وقبولهم منهما فإذا كان الملكان مأمورين بإبلاغهما وتعريفهما وسائر الناس معنى السحر ومخاريق السحرة وكفرها جاز أن نقول في إحدى القراءتين وما أنزل على الملكين اللذين هما من الملائكة بأن أنزل عليهما ذلك ونقول في القراءة الأخرى وما أنزل على الملكين من الناس لأن الملكين كانا مأمورين بإبلاغهما وتعريفهما كما قال الله تعالى في خطاب رسوله (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وقال في موضع آخر (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) فأضاف الإنزال تارة إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وتارة إلى المرسل إليهم وإنما خص الملكين بالذكر وإن كانا مأمورين بتعريف الكافة لأن العامة كانت تبعا للملكين فكان أبلغ الأشياء في تقرير معاني السحر والدلالة على بطلانه تخصيص الملكين به ليتبعهما الناس كما قال لموسى وهارون (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وقد كانا عليهما السلام رسولين إلى رعاياه كما أرسلا إليه ولكنه خصه بالمخاطبة لأن ذلك أنفع في استدعائه واستدعاء رعيته إلى الإسلام وكذلك كتب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى كسرى وقيصر وخصهما بالذكر دون رعاياهما وإن كان رسولا إلى كافة الناس لما وصفناه من أن الرعية تبع للراعي وكذلك قال صلىاللهعليهوسلم في كتابه لكسرى (أما بعد فأسلم تسلم وإلا فعليك إثم المجوس) وقال لقيصر(أسلم تسلم وإلا فعليك إثم الأريسين) يعنى أنك إذا آمنت تبعتك الرعية وإن أبيت لم تستجب الرعية إلى الإسلام خوفا منك فهم تبع لك في الإسلام والكفر فلذلك والله أعلم خص الملكين من أهل بابل بإرسال الملكين إليهما كما قال الله تعالى (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) فإن قيل فكيف يكون الملائكة مرسلا إليهم ومنزلا عليهم قيل له هذا جائز شائع لأن الله تعالى قد يرسل الملائكة بعضهم إلى بعض كما يرسلهم إلى الأنبياء كثف أجسامهم وجعلهم كهيئة بنى آدم لئلا ينفروا منهم قال الله تعالى (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) يعنى هيئة الرجل وقوله تعالى (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) معناه والله أعلم أن الله أرسل الملكين ليبينا للناس معاني السحر ويعلموهم أنه كفر وكذب وتمويه لا حقيقة له حتى يجتنبوه كما بين الله على ألسنة رسله سائر المحظورات والمحرمات ليجتنبوه ولا يأتوه فلما كان السحر كفرا وتمويها وخداعا وكان أهل ذلك