أكلوا من بيوتهم فدل على أنهم مستحقون لذلك لولاه لما أباحه لهم فإن قيل قد ذكرنا فيه (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) ولا يستحقان النفقة* قيل له هو منسوخ عنهم بالاتفاق ولم يثبت نسخ ذوى الرحم المحرم فإن قيل فأوجبوا النفقة على ابن العم إذا كان وارثا قيل له الظاهر يقتضيه وخصصناه بدلالة فإن قيل فإن كان قوله (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) موجبا للنفقة على كل وارث فالواجب إيجاب النفقة على الأب والأم على قدر مواريثهما منه قيل له إنما المراد وعلى الوارث غير الأب وذلك لأنه قد تقدم ذكر الأب في أول الخطاب بإيجاب جميع النفقة عليه دون الأم ثم عطف عليه قوله (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) وغير جائز أن يكون مراده الأب مع سائر الورثة لأنه نسخ ما قد تقدم وغير جائز وجود الناسخ والمنسوخ في شيء واحد في خطاب إذ كان النسخ غير جائز إلا بعد استقرار الحكم والتمكين من الفعل وذكر إسماعيل بن إسحاق أنه إذا ولد مولود وأبوه ميت أو معدوم فعلى أمه أن ترضعه لقوله تعالى (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) فلا يسقط عنها بسقوط ما كان يجب على الأب فإن انقطع لبنها بمرض أو غيره فلا شيء عليها وإن كان يمكنها أن تسترضع فلم تفعل وخافت عليه الموت وجب عليها أن تسترضع لا من جهة ما على الأب لكن من جهة أن على كل واحد إعانة من يخاف عليه إذا أمكنه وهذا الفصل من كلامه يشتمل على ضروب من الاختلال أحدها أنه أوجب الرضاع على الأم لقوله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) وأعرض عن ذكر ما يتصل به من قوله (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فإنما جعل عليها الرضاع بحذاء ما أوجب لها من النفقة والكسوة فكيف يجوز إلزامها ذلك بغير بدل ومعلوم أن لزوم النفقة للأب بدلا من الرضاع يوجب أن تكون تلك المنافع في الحكم حاصلة للأب ملكا باستحقاق البدل عليه فاستحال إيجابها على الأم وقد أوجبها الله تعالى على الأب بإلزامها بدل من النفقة والكسوة والثاني قوله (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) ليس فيه إيجاب الرضاع عليها وإنما جعل به الرضاع حقا لها لأنه لا خلاف أنها لا تجبر على الرضاع إذا أبت وكان الأب حيا وقد نص الله على ذلك في قوله (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) فلا يصح الاستدلال بالآية على إيجاب الرضاع عليها في حال فقد الأب وهو لم يقتض إيجابه عليها في حال حياته وهو المنصوص عليه في الآية ثم زعم أنه إن انقطع لبنها