حد الكبر استحق المال إذا كان عاقلا من غير شرط إيناس الرشد لأنه إنما شرط إيناس الرشد بعد البلوغ وأفاد بقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) أنه لا يجوز له إمساك ماله بعد ما يصير في حد الكبر ولولا ذلك لما كان لذكر الكبر هاهنا معنى إذ كان الوالي عليه هو المستحق لماله قبل الكبر وبعده فهذا يدل على أنه إذا صار في حد الكبر استحق دفع المال إليه وجعل ابو حنيفة حد الكبر في ذلك خمسا وعشرين سنة لأن مثله يكون جدا ومحال أن يكون جدا ولا يكون في حد الكبر والله أعلم.
باب أكل ولى اليتيم من ماله
قال الله تعالى (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) قال أبو بكر قد اختلف السلف في تأويله فروى معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن في حجري أيتاما لهم أموال وهو يستأذنه أن يصيب منها فقال ابن عباس ألست تهنأ جرباءها قال بلى قال ألست تبغى ضالتها قال بلى قال ألست تلوط حياضها قال بلى قال ألست تفرط عليها يوم ورودها قال بلى قال فاشرب من لبنها غير ناهك في الحلب ولا مضر بنسل وروى الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس قال الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم ولا يكتسى عمامة فشرط في الحديث الأول عمله في مال اليتيم في إباحة الأكل ولم يشرط في حديث عكرمة وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب قال حدثني أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني أنه سأل أناسا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) فقالوا فينا نزلت أن الوصي كان إذا عمل في نخل اليتيم كانت يده مع أيديهم* وقد طعن في هذا الحديث من جهة سنده ويفسد أيضا من جهة أنه لو أبيح لهم الأكل لأجل عملهم لما اختلف فيه الغنى والفقير فعلمنا أن هذا التأويل ساقط وأيضا في حديث ابن عباس إباحة الأكل دون أن يكتسى منه عمامة ولو كان ذلك مستحقا لعمله لما اختلف فيه حكم المأكول والملبوس فهذا أحد الوجوه التي تأولت عليه الآية وهو أن يقتصر على الأكل فحسب إذا عمل لليتيم وقال آخرون يأخذه قرضا ثم يقضيه* وروى شريك عن ابن إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر قال إنى أنزلت مال الله تعالى بمنزلة مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وقضيت وروى عن عبيدة السلماني وسعيد بن