وفي ذلك دليل على بطلان قول من نفى أن يكون في القرآن مجاز لأن ذكر ما هاهنا مجاز وإسقاطها لا يغير المعنى قوله تعالى (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) يدل على وجوب استعمال اللين والرفق وترك الفظاظة والغلظة في الدعاء إلى الله تعالى كما قال تعالى (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله تعالى لموسى وهارون (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) قوله تعالى (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) اختلف الناس في معنى أمر الله تعالى إياه بالمشاورة مع استغنائه بالوحي عن تعرف صواب الرأى من الصحابة فقال قتادة والربيع بن أنس ومحمد بن إسحاق إنما أمره بها تطييبا لنفوسهم ورفعا من أقدارهم إذ كانوا ممن يوثق بقوله ويرجع إلى رأية قال سفيان ابن عيينة أمره بالمشاورة لتقتدى به أمته فيها ولا تراها منقصة كما مدحهم الله تعالى بأن أمرهم شورى بينهم وقال الحسن والضحاك جمع لهم بذلك الأمرين جميعا في المشاورة ليكون لإجلال الصحابة ولتقتدى الأمة به في المشاورة وقال بعض أهل العلم إنما أمره بالمشاورة فيما لم ينص له فيه على شيء بعينه فمن القائلين بذلك من يقول إنما هو في أمور الدنيا خاصة وهم الذين يأبون أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول شيئا من أمور الدين من طريق الاجتهاد وإنما هو في أمور الدنيا خاصة فجائز أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم يستعين بآرائهم في ذلك ويتنبه بها على أشياء من وجوه التدبير ما جائز أن يفعلها لولا المشاورة واستشارة آراء الصحابة وقد أشار الحباب بن المنذر يوم بدر على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنزول على الماء فقبل وأشار منه عليه السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يوم الخندق بترك مصالحة غطفان على بعض ثمار المدينة لينصرفوا فقبل منهم وخرق الصحيفة في أشياء من نحو هذا من أمور الدنيا وقال آخرون كان مأمورا بمشاورتهم في أمور الدين والحوادث التي لا توقيف فيها عن الله تعالى وفي أمور الدنيا أيضا مما طريقه الرأى وغالب الظن وقد شاورهم يوم بدر في الأسارى وكان ذلك من أمور الدين وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا شاورهم فأظهروا آراءهم ارتأى معهم وعمل بما أداه إليه اجتهاده وكان في ذلك ضروب من الفوائد أحدها إعلام الناس أن ما لا نص فيه من الحوادث فسبيل استدراك حكمه الاجتهاد وغالب الظن والثاني إشعارهم بمنزلة الصحابة رضى الله عنهم وأنهم أهل الاجتهاد وجائز اتباع آرائهم إذ رفعهم الله إلى المنزلة التي يشاورهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ويرضى اجتهادهم ويحريهم لموافقة النصوص من