قبله وجب أن يكون حكمه مقصورا عليه قيل هو كلام مكتف بنفسه لما في فحواه من الدلالة على معناه وذلك لأن ذكر الإعسار والإنظار قد دل على دين تجب المطالبة به والإنظار لا يكون إلا في حق قد ثبت وجوبه وصحت المطالبة به إما عاجلا وإما آجلا فإذا كان في مضمون اللفظ دلالة على دين يتعلق به في حكم الإنظار إذا كان ذو عسرة كان اللفظ مكتفيا بنفسه ووجب اعتباره على عمومه ولم يجب الاقتصار به على الربا دون غيره* وزعم بعض الناس ممن نصر هذا القول الذي ذكرناه أن هذا لا يجوز أن يكون في الربا لأن الله تعالى قد أبطله فكيف يكون منظرا به قال فالواجب أن تكون الآية عامة في سائر الديون وهذا الحجاج ليس بشيء لأن الله تعالى إنما أبطل الربا وهو الزيادة المشروطة ولم يبطل رأس المال لأنه قال (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) والربا هو الزيادة ثم قال (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ثم عقب ذلك بقوله (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) يعنى سائر الديون ورأس المال أحدها وإبطال ما بقي من الربا لم يبطل رأس المال بل هو دين عليه يجب أداؤه* فإن قيل إذا كان الإنظار مأمورا به في رأس المال فهو وسائر الديون عليه سواء قيل له إنما كلامنا فيما شمله العموم من حكم الآية فإن كان ذلك في رأس مال الربا فلم يتناول غيره من طريق النص وإنما يتناوله من جهة العموم للمعنى فيحتاج حينئذ إلى دلالة من غيره في إثبات حكمه ورده إلى المذكور في الآية بمعنى يجمعهما وليس الكلام بينك وبين الخصم من جهة القياس وإنما اختلفتما في عموم الآية وخصوصها والكلام في القياس ورد غير المذكور إلى المذكور مسألة أخرى.
وقوله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) قد اقتضى ثبوت المطالبة لصاحب الدين على الدين وجواز أخذ رأس مال نفسه منه بغير رضاه لأنه تعالى جعل اقتضاؤه ومطالبته من غير شرط رضى المطلوب وهذا يوجب أن من له على غيره دين فطالبه به فله أخذه منه شاء أم أبى وبهذا المعنى ورد الأثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حين قالت له هند إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي فقال خذي من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف فأباح لها أخذ ما استحقته على أبى سفيان من النفقة من غير رضى أبى سفيان وفي الآية دلالة على أن الغريم متى امتنع من أداء الدين مع الإمكان كان ظالما ودلالتها على ذلك من وجهين أحدهما قوله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) فجعل له المطالبة