وتقرب من المآثم والجرأة على الله تعالى فكان المعنى أن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى لما في توقى ذلك من البر والتقوى والإصلاح فتكونون بررة أتقياء لقوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وإذا كانت الآية محتملة للمعنيين وليسا متضادين فالواجب حملها عليهما جميعا فتكون مفيدة لحظر ابتذاله اسم الله تعالى واعتراضه باليمين في كل شيء حقا كان أو باطلا ويكون مع ذلك محظورا عليه أن يجعل يمينه عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح وإن لم يكثر بل الواجب عليه أن لا يكثر اليمين ومتى حلف لم يحتجر بيمينه عن فعل ما حلف عليه إذا كان طاعة وبرا وتقوى وإصلاحا كما قال صلّى الله عليه وسلّم (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) قوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) الآية قال أبو بكر رحمه الله قد ذكر الله تعالى اللغو في مواضع فكان المراد به معاني مختلفة على حسب الأحوال التي خرج عليها الكلام فقال تعالى (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) يعنى كلمة فاحشة قبيحة و(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) على هذا المعنى وقال (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) يعنى الكفر والكلام القبيح وقال (وَالْغَوْا فِيهِ) يعنى الكلام الذي لا يفيد شيئا ليشغلوا السامعين عنه وقال (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) يعنى الباطل ويقال لغا في كلامه يلغو إذا أتى بكلام لا فائدة فيه وقد روى في لغو اليمين معان عن السلف فروى عن ابن عباس أنه قال هو الرجل يحلف على الشيء يراه كذلك فلا يكون وكذلك روى عن مجاهد وإبراهيم قال مجاهد (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) أن تحلف على الشيء وأنت تعلم وهذا في معنى قوله (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) وقالت عائشة هو قول الرجل لا والله وبلى والله وروى عنها مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وذلك عندنا في النهى عن اليمين على الماضي رواه عنها عطاء أنها قالت قول الرجل فعلنا والله كذا وصنعنا والله كذا وروى مثله عن الحسن والشعبي وقال سعيد بن جبير هو الرجل يحلف على الحرام فلا يؤاخذه الله بتركه وهذا التأويل موافق لتأويل من تأول قوله (عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) أن يمتنع باليمين من فعل مباح أو يقدم بها على فعل محظور وإذا كان اللغو محتملا لهذه المعاني ومعلوم أنه لما عطف قوله (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ) أن مراده ما عقد قلبه فيه على الكذب والزور وجب أن تكون هذه المؤاخذة هي عقاب الآخرة وأن لا تكون الكفارة المستحقة بالحنث لأن تلك الكفارة غير متعلقة بكسب القلب لاستواء حال